سقاها فروّاها بشرب سجاله |
دماء رجال يحلبون صراها |
وقول أبي حية النميري :
رمتني وستر الله بيني وبينها |
عشيّة آرام الكناس رميم |
|
رميم التي قالت لجيران بيتها |
ضمنت لكم ألّا يزال بهيم |
وذكر الحموي والسيوطي والمدني مثل ذلك (١) ، ولكنّ تشابه الأطراف كما فسّره القزويني ليس كذلك فهو عنده من مراعاة النظير وذلك «أن يختم الكلام بما يناسب أوّله في المعنى» (٢).
التّسجيع :
سجع يسجع سجعا : استوى واستقام وأشبه بعضه بعضا ، والسجع الكلام المقفّى ، والجمع : أسجاع وأساجيع ، وكلام مسجّع. وسجع يسجع سجعا وسجّع تسجيعا : تكلم بكلام له فواصل كفواصل الشعر من غير وزن ، وصاحبه : سجّاعة وهو من الاستواء والاستقامة والاشتباه كأن كل كلمة تشبه صاحبتها. قال ابن جني : سمي سجعا لاشتباه أواخره وتناسب فواصله. وسجع الحمام : هدل على جهة واحدة ، وسجع الحمامة : موالاة صوتها على طريق واحد (٣) وربط الخليل السجع بالفواصل فقال : «سجع الرجل إذا نطق بكلام له فواصل كقوافي الشعر من غير وزن» (٤).
السجع هو الفن المعروف في الأدب العربي ، وقد سماه تسجيعا قدامة وابن الزملكاني والمصري وابن مالك والعلوي والمدني (٥) ، وألحقه ابن الاثير الحلبي بالتسميط (٦). وقال ابن الاثير الجزري : «وحدّه أن يقال : تواطؤ الفواصل في الكلام المنثور على حرف واحد» (٧) وهو ما قاله القزويني (٨) ، وهو معنى قول السكاكي : «الأسجاع وهي في النثر كما القوافي في الشعر» (٩).
والسجع من أوصاف البلاغة في موضعه وعند سماحة القول فيه وأن يكون في بعض الكلام لا كله ، فانّه في الكلام كمثل القافية في الشعر وإن كانت القافية غير مستغنى عنها في الشعر القديم والسجع مستغنى عنه. قال ابن وهب : «فاما أن يلزمه الانسان في جميع قوله ورسائله وخطبه ومناقلاته فذلك جهل من فاعله وعيّ من قائله» (١٠). وقال ابن جني : «ألا ترى أنّ المثل إذا كان مسجوعا لذّ لسامعه فحفظه ، فاذا هو حفظه كان جديرا باستعماله ، ولو لم يكن مسجوعا لم تأنس النفس به ولا أنقت لمستمعه ، واذا كان كذلك لم تحفظه ، وان لم تحفظه لم تطالب أنفسها باستعمال ما وضع له وجيء به من أجله» (١١).
وقد ذمه بعضهم لأنّ الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ذمّ سجع الكهان حينما قال لبعضهم منكرا عليه وقد كلّمه بكلام مسجوع : «أسجعا كسجع الكهان؟». قال الجاحط : «وكان الذي كرّه الأسجاع بعينها وإن كانت دون الشعر في التكلف والصنعة أنّ كهّان العرب الذين كان أكثر الجاهلية يتحاكمون اليهم وكانوا يدّعون الكهانة وأنّ مع كل واحد منهم رئيا من الجن مثل حازي جهينة ، ومثل شق وسطيح
__________________
(١) خزانة ص ١٠٢ ، شرح عقود الجمان ص ١٤٩ ، أنوار الربيع ج ٣ ص ٤٥.
(٢) الايضاح ص ٣٤٤ ، التلخيص ص ٣٥٤.
(٣) اللسان (سجع).
(٤) العين ج ١ ص ٢١٤.
(٥) نقد الشعر ص ٦٠ ، التبيان ص ١٧٨ ، تحرير التحبير ص ٣٠٠ ، بديع القرآن ص ١٠٨ ، المصباح ص ٧٩ ، الطراز ج ٣ ص ١٨ ، أنوار الربيع ج ٦ ص ٢٤٩.
(٦) جوهر الكنز ص ٢٥٢.
(٧) المثل السائر ج ١ ص ١٩٣.
(٨) الايضاح ص ٣٩٣ ، التلخيص ص ٣٩٧.
(٩) مفتاح العلوم ص ٢٠٣.
(١٠) البرهان في وجوه البيان ص ٢٠٩.
(١١) الخصائص ج ١ ص ٢١٦.