وفرّقوا بين الفاصلة والسجع وقالوا إنّ الفواصل تتبع المعاني ولا تكون مقصودة في نفسها ، والسجع يقصد لنفسه ثم يحيل المعنى اليه (١). ومن أشهر الذين نفوا السجع عن كتاب الله أبو بكر الباقلاني متابعا في ذلك أبا الحسن الأشعري ؛ لأنّ القرآن لو كان سجعا لكان غير خارج على أساليب العرب في كلامهم ولو كان داخلا فيها لم يقع بذلك إعجاز (٢).
ولعل ما كان من أمر السجع في عصره جعله يذهب هذا المذهب ويربط السجع باللفظ دون المعنى مع علمه بأنّ السجع كثير في كتاب الله ، وقد سمّاه بعض البلاغيين سجعا ، ولن يقلل من قيمته أن نسميه «فواصل» لأننا حينما ننظر في تصريفهم لها نجد أنّها حروف متشاكلة في المقاطع وهي تابعة للمعاني ويمكن أن نجعل السجع تابعا للمعاني أيضا كما فعل عبد القاهر وابن الاثير. وتقسيم الفواصل الى وجهين :
أحدهما : على الحروف المتجانسة كقوله تعالى : (طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى. إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى)(٣).
وثانيهما : الحروف المتقاربة كالميم والنون في قوله تعالى : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)(٤) ـ لا يخرج السجع منها ، ولو قال الباقلاني إنّ الإعجاز لا يؤخذ من السجع كما لا يؤخذ من فنون البديع الأخرى لكان أولى ، وله الحق في ذلك ما دام يذهب الى أنّ كتاب الله الخالد معجز بنظمه وحسن تأليفه. يضاف الى ذلك أنّ معنى السجع في اللغة ليس تصويت الحمام فحسب بل الأساس فيه الاستقامة والاستواء والاشتباه بأنّ كل كلمة تشبه صاحبتها ، وليس بعد القرآن كتاب يشمل الاستقامة والاستواء بكل صورها ومعانيها.
ومهما يكن من أمر فان أكثر البلاغيين يسمون هذا الفن سجعا ، وهو فن أصيل عرف في الجاهلية وصدر الاسلام وشاع وانتشر في العصر العباسي أيما انتشار واسرف بعضهم فيه ، ولذلك نزّه الأشعرية كتاب الله من هذا الفن البديعي الذي أصبح من المحسنات اللفظية عند المتأخرين (٥) ، وسموا نهاية الآيات «فواصل» وهي تسمية دقيقة من أجل أن يكون هناك فرق بين سجع البشر وآيات الله العزيز.
التّسجيع الحالي :
قسّم ابن شيث القرشي السجع الى حال وعاطل ، وقال عن الحالي : هو «كل كلمتين جاءتا في الكلام المنثور على زنة واحدة تصلح أن تكون إحداهما قافية أمام صاحبتها كقولك «فلان لا تدرك في المجد غايته ولا تنسخ من الفضل آيته». ويكفي في ذلك كلام رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في تعويذ الحسن والحسين ـ عليهماالسلام ـ : «أعيذكما من الهامة والسامّة وكل عين لامّة» ، وكذلك قوله : «يرجعن مأزورات غير مأجورات». وبمقدار ما تتوازن اللفظتان ويلزم فيهما من تكرار الحروف يكون التبريز في ذلك» (٦).
وقال الكلاعي : «وإنّما سمّينا هذا النوع الحالي لأنّه حلّي بحسن العبارة ولطف الاشارة وبدائع التمثيل والاستعارة ، وجاء من الأسجاع والفواصل ما لم يأت في باب العاطل» (٧).
التّسجيع العاطل :
قال ابن شيث القرشي : «وأما السجع العاطل فهو
__________________
(١) البرهان في علوم القرآن ج ١ ص ٥٤.
(٢) اعجاز القرآن ص ٨٦.
(٣) طه ١ ـ ٣.
(٤) الفاتحة ٣ ـ ٤.
(٥) الايضاح ص ٣٩٣ ، التلخيص ص ٤٠٤ ، شروح التلخيص ج ٣ ص ٤٤٥ ، المطول ص ٤٥٣ ، الأطول ج ٢ ص ٢٣٢ ، شرح عقود الجمان ص ١٥٠.
(٦) معالم الكتابة ص ٦٩.
(٧) احكام صنعة الكلام ص ٩٧.