المتساويين (١). كقول أبي إسحاق الصابي :
تشابه دمعي إذ جرى ومدامعي |
فمن مثل ما في الكأس عيني تسكب |
|
فو الله لا أدري أبا لخمر أسبلت |
جفوني أم من عبرتي كنت أشرب |
وكقول الصاحب بن عبّاد :
رقّ الزجاج وراقت الخمر |
وتشابها فتشاكل الأمر |
|
فكأنّما خمر ولا قدح |
وكأنّما قدح ولا خمر |
والتّشابه عند الحلبي والنويري هو التّناسب أي ترتيب المعاني المتآخية التي تتلاءم ولا تتنافر ، كقول النابغة :
والرّفق يمن والأناة سعادة |
فاستأن في رزق تنال نجاحا |
|
واليأس عمّا فات يعقب راحة |
ولربّ مطعمة تعود ذباحا |
وقالا عن التّناسب : «ويسمّى التشابه أيضا ، وقيل :التشابه أن تكون الألفاظ غير متباينة بل متقاربة في الجزالة والرّقّة والسلاسة وتكون المعانى مناسبة لألفاظها من غير أن يكسو اللفظ الشريف المعنى السخيف أو على الضد ، بل يصاغان معا صياغة تناسب وتلاؤم» (٢).
تشابه الأطراف :
أطلقه المصري على التسبيغ (٣) وقد تقدّم. ولكنّ القزويني عدّه من مراعاة النظير وقال : «ومن مراعاة النظير ما يسمّيه بعضهم «تشابه الأطراف» وهو أن يختم الكلام بما يناسب أوّله في المعنى» (٤). كقوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)(٥). فإنّ اللطيف يناسب ما لا يدرك بالبصر ، والخبرة تناسب من يدرك شيئا فإنّ من يدرك شيئا يكون خبيرا به. ومن خفيّ هذا الضرب قوله تعالى : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٦). فان قوله : (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ) يوهم أنّ الفاصلة (الْغَفُورُ الرَّحِيمُ*) ولكن إذا انعم النظر علم أنّه يجب أن تكون ما عليه التلاوة لأنّه لا يغفر لمن يستحق العذاب إلا من ليس فوقه أحد يرد عليه حكمه فهو العزيز الحكيم.
وتابع القزويني شرّاح التلخيص (٧) في ذلك ، وهو ليس التسبيغ الذي تحدث عنه الآخرون. وتحدث المدني عن نوع سماه «تناسب الاطراف» وقال : هو «عبارة عن أن يبتدئ المتكلم كلامه بمعنى ثم يختمه بما يناسب ذلك المعنى الذي ابتدأ به» (٨). وهو الذي سمّاه القزويني وشراح التلخيص «تشابه الأطراف» ، وسماه بعضهم «تشابه الاطراف المعنوي» قال المدني : «هو تطويل في العبارة فرأينا نحن تسميته بتناسب الاطراف أولى لمطابقته لمسماه» (٩).
وقسمه الى لونين.
الأول : ظاهر كقوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ....)
الثاني : خفي كقوله تعالى : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ ....)
__________________
(١) مفتاح العلوم ص ١٦٤ ، الايضاح ص ٢٤٢ ، التلخيص ص ٢٦٨ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٤١٢ ، المطول ص ٣٣٥ ، الأطول ج ٢ ص ٩٥.
(٢) حسن التوسل ص ٢١٢ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٠٧ ، وينظر الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ١٤.
(٣) تحرير التحبير ص ٥٢٠ ، بديع القرآن ص ٢٢٩.
(٤) الايضاح ص ٣٤٤ ، التلخيص ص ٣٥٤.
(٥) الأنعام ١٠٣.
(٦) المائدة ١١٨.
(٧) شروح التلخيص ج ٤ ص ٣٠٣ ، المطول ص ٤٢٠ ، الأطول ج ٢ ص ١٨٨.
(٨) أنوار الربيع ج ٤ ص ١٩٥.
(٩) أنوار الربيع ج ٤ ص ١٩٥.