والسكاكي : «التعريف الثالث هو المختار أن يقال : هو الجمع بين الشيئين أو الاشياء بمعنى ما بواسطة الكاف ونحوها» (١). وقال الزركشي : «هو إلحاق شيء بذي وصف في وصفه. وقيل : أن تثبت للمشبه حكما من أحكام المشبه به. وقيل : الدّلالة على اشتراك شيئين في وصف هو من أوصاف الشيء الواحد كالطيب في المسك والضياء في الشمس والنور في القمر ، وهو حكم إضافي لا يرد إلا بين الشيئين بخلاف الاستعارة» (٢). وقال السجلماسي : «هو القول المخيّل وجود شيء في شيء» (٣).
وهذه التعريفات وغيرها تؤدي الى معنى واحد هو أنّ التشبيه ربط شيئين أو أكثر في صفة من الصفات أو اكثر. لكنّ البلاغيين اختلفوا في هذه الصفة أو الصفات ومقدار اتفاقها واختلافها ، فذهب قدامة الى أنّ أحسن التشبيه ما وقع بين الشيئين اشتراكهما في الصفات اكثر من انفرادهما فيها حتى يدني بهما التشبيه الى حال الاتحاد ، والى ذلك ذهب ابن رشيق لأنّ المشبه لو ناسب المشبه به مناسبة كلية لكان إياه.
وقال ابن سنان : «وإنما الأحسن في التشبيه أن يكون أحد الشيئين يشبه الآخر في أكثر صفاته ومعانيه وبالضد حتى يكون رديء التشبيه ما قلّ شبهه بالمشبه به» (٤). وقد يكون التشبيه أحسن إذا كثرت جهات الاختلاف ليكون مجال التخيل والتصور أبعد مدى ولكن ينبغي أن لا يؤدي ذلك الى الغموض والابهام.
واختلفوا في موقع هذا الفن من علم البيان وصلته بالمجاز ، فمدرسة السكاكي لا تعدّه من علم البيان وإن بحثته فيه لأنّ دلالته وضعية ، وعدّه كثير من البلاغيين ركنا أساسيا في بحوث البيان. وذكر بعض من دار في فلك السكاكي أنّ الاختلاف في وضوح الدلالة وخفائها موجود في التشبيه ولذلك فهو فن مستقل في علم البيان قصدا وإن توقف عليه بعض أبوابه ؛ لأنّ توقف بعض الأبواب على بعض لا يوجب كون المتوقف عليه مقدمة للفن (٥). وحاولوا أن يعللوا سبب بحثه منفصلا غير أنّهم لم يدخلوه في علم البيان ، وكان عليهم أن يعدّوه فنا مستقلا من فنون البلاغة وبذلك يريحون أنفسهم من عناء التعليل.
أما كونه مجازا أو غير مجاز فقد اختلفوا فيه وذهب بعضهم الى أنّه ليس مجازا ، ولعل عبد القاهر كان من أوائل الذين صرّحوا بذلك فقال : «إنّ كل متعاط لتشبيه صريح لا يكون نقل اللفظ من شأنه ولا من مقتضى غرضه ، فاذا قلت : «زيد كالأسد» و «هذا الخبر كالشمس في الشهرة» و «له رأي كالسيف في المضاء» لم يكن نقل للفظ عن موضوعه ولو كان الأمر على خلاف ذلك لوجب أن لا يكون في الدنيا تشبيه الا وهو مجاز وهو محال ؛ لأنّ التشبيه معنى من المعاني وله حروف واسماء تدل عليه فاذا صرّح بذكر ما هو موضوع للدلالة عليه كان الكلام حقيقة كالحكم في سائر المعاني فاعرفه» (٦).
وتبعه في هذا الرأي الرازي والمطرزي والسكاكي وابن الزملكاني والحلبي والنّويري والقزويني وشرّاح التلخيص (٧) ، والى ذلك أشار ابن قيم الجوزية بقوله : «وذهب المحققون من متأخري علماء هذه الصناعة
__________________
(١) الطراز ج ١ ص ٢٦٣.
(٢) البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٤١٤.
(٣) المنزع البديع ص ٢٢٠ المنصف ص ٥٠ ، الروض المريع ص ١٠١.
(٤) سرّ الفصاحة ص ٢٩٠.
(٥) مواهب الفتاح ج ٣ ص ٢٩٠ ، حاشية الدسوقي ج ٣ ص ٢٩٠.
(٦) أسرار البلاغة ص ٢٢١.
(٧) ن هاية الايجاز ص ٧٧ ، الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ٥ ، مفتاح العلوم ص ١٥٦ ، التبيان ص ٣٧ ، البرهان الكاشف ص ١٠٥ حسن التّوسّل ص ١٢٥ ، نهاية الأرب ج ٧ ص ٤٩ ، الإيضاح ص ٢١٢ ، التلخيص ص ٢٣٥ ، شرح التلخيص ج ٣ ص ٢٥٦ ، المطوّل ص ٣٠٠ ، الاطول ج ٢ ص ٥٠ ، نفحات ص ٢٥٩.