وما شرّ الثلاثة أمّ عمرو |
بصاحبك الذي لا تصبحينا |
فانه استلحقه بكلمته «ألا هبي بصحنك فاصبحينا» (١).
وكان ابن رشيق قد ذكر البيتين وقال : «وربما اجتلب الشاعر البيتين فلا يكون في ذلك بأس كما قال عمرو ذو الطوق : صددت ... فاستلحقهما عمرو بن كلثوم فهما في قصيدته ، وكان عمرو بن العلاء وغيره لا يرون ذلك عيبا ، وقد يصنع المحدثون مثل ذلك. قال زياد الاعجم :
أشمّ إذا ما جئت للعرف طالبا |
حباك بما تحوي عليه أنامله |
|
ولو لم يكن في كفه غير نفسه |
لجاد بها فليتّق الله سائله |
واستلحق البيت الأخير أبو تمام فهو في شعره. وأما قول جرير للفرزدق وكان يرميه بانتحال شعر أخيه الأخطل بن غالب :
ستعلم من يكون أبوه قينا |
ومن كانت قصائده اجتلابا |
فانما وضع الاجتلاب موضع السرق والانتحال لضرورة القافية ، هكذا ذكر العلماء من هؤلاء المحدثين ، وأما الجمحي فقال : من السرقات ما يأتي على سبيل المثل اجتلابا مثل قول أبي الصلت بن أبي ربيعة الثقفي :
تلك المكارم لا قعبان من لبن |
شيبا بماء فعادا بعد أبوالا (٢) |
ثم قال بعينه النابغة الجعدي لما أتى موضعه ، فبنو عامر ترويه للجعدي ، والرواة مجمعون انه لأبي الصلت ، فقد ذهب الجمحي في الاجتلاب مذهب جرير انّه انتحال ، ولم أر محدثا غيره يقول هذا القول» (٣).
فالاجتلاف والاستلحاق ليسا عيبا ، والى ذلك ذهب الحاتمي وقال : «وبعض العلماء لا يراهما عيبا ، ووجدت يونس بن حبيب وغيره من علماء الشعر يسمي البيت يأخذه الشاعر على طريق التمثيل فيدخله في شعره اجتلابا واستلحاقا فلا يرى ذلك عيبا. واذا كان الأمر كذلك فلعمري إنّه لا عيب فيما هذه سبيله» (٤).
الأحاجي :
يقال : كلمة محجية أي مخالفة المعنى للفظ ، وهي الأحجية والأحجوة ، والأحجية والحجيّا لعبة وأغلوطة يتعاطاها الناس بينهم ، وهي من نحو قولهم :أخرج ما في يدي ولك كذا. وفلان يأتينا بالأحاجي أي بالأغاليط (٥).
والأحاجي هي الأغاليط من الكلام وتسمى الألغاز ، وقد يسمّى هذا النوع : «المعمّى» ، قال ابن الأثير : «واما اللغز والاحجية فانهما شيء واحد وهو كل معنى يستخرج بالحدس والحزر لا بدلالة اللفظ عليه حقيقة ولا مجازا ولا يفهم من عرضه لأنّ قول القائل في الضرس :
وصاحب لا أملّ الدهر صحبته |
يشقى لنفعي ويسعى سعي مجتهد |
|
ما إن رأيت له شخصا فمذ وقعت |
عيني عليه افترقنا فرقة الأبد |
لا يدلّ على أنّه الضرس لا من طريق الحقيقة ولا من طريق المجاز ولا من طريق المفهوم ، وانما هو شيء يحدس ويحزر» (٦). ثم قال : «واذا ثبت هذا فاعلم أنّ هذا الباب الذي هو اللغز والاحجية والمعمّى يتنوع أنواعا : فمنه المصحّف ، ومنه
__________________
(١) الرسالة العسجدية ص ٥٢ ، وينظر حلية المحاضرة ج ٢ ص ٥٨.
(٢) القعب ؛ القدح الضخم.
(٣) العمدة ج ٢ ص ٢٨٣.
(٤) حلية المحاضرة ج ٢ ص ٥٨.
(٥) اللسان (حجا).
(٦) المثل السائر ج ٢ ص ٢٢٤.