المعكوس ، ومنه ما ينقل الى لغة من اللغات غير العربية كقول القائل : اسمي اذا صحفته بالفارسية آخر ، وهذا اسمه اسم تركي وهو «دنكر» ـ بالدال المهملة والنون ـ وآخر بالفارسية «ديكر» ـ بالدال المهملة والياء المعجمة بثنتين من تحت ـ واذا صحفت هذه الكلمة صارت «دنكر» ـ بالنون ـ فانقلبت الياء نونا بالتصحيف ، وهذا غير مفهموم إلا لبعض الناس دون بعض. وانما وضع واستعمل لانه مما يشحذ القريحة ويحدّ الخاطر ؛ لانه يشتمل على معان دقيقة يحتاج في استخراجها الى توقد الذهن والسلوك في معاريج خفية من الفكر. وقد استعمله العرب في اشعارهم قليلا ، ثم جاء المحدثون فأكثروا منه ، وربما أتى منه بما يكون حسنا وعليه مشحة من البلاغة ، وذلك عندي بين بين فلا أعدّه من الأحاجي ولا أعدّه من فصيح الكلام».
ومن الأحاجي قول بعضهم :
سبع رواحل ما ينخن من الونا |
شيم تساق بسبعة زهر |
|
متواصلات لا الدؤوب يملّها |
باق تعاقبها على الدّهر |
هذان البيتان يتضمنان وصف أيام الزمان ولياليه ، وهي الاسبوع ، فان الزمان عبارة عنه.
وعلى هذا الاسلوب ورد قول المتنبي في وصف السفن :
وحشاه عادية بغير قوائم |
عقم البطون حوالك الألوان |
|
تأتي بما سبت الخيول كأنّها |
تحت الحسان مرابض الغزلان (١) |
وقد ورد من الألغاز شيء في كلام العرب المنثور غير أنّه قليل بالنسبة الى ما ورد في أشعارها ، وليس في كتاب الله شيء منها ، لانه لا يستنبط بالحدس والحزر كما تسنبط الالغاز.
الإحالة :
قال الدمنهوري : «الاحالة مصدر أحلته على كذا ، وهي قسمان : خفية وجلية ، كقوله تعالى : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ)(٢) إحالة على قوله : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ، وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(٣) ، وكقوله : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً)(٤). والإحالة في الآية الأولى ظاهرة وفي الثانية خفية لما قيل إنّها إحالة على قوله : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ)(٥) ، لتضمنه تفضيل محمد صلىاللهعليهوسلم» (٦).
الاحتباك :
الاحتباك : شدّ الازار ، وكل شيء أحكمته وأحسنت عمله فقد احتبكته ، والمحبوك ما أجيد عمله ، والحبك : الشد والاحكام (٧). وكأن الاحتباك مأخوذ من الشد والاحكام ، وقد أشار الى ذلك السيوطي بقوله : «ومأخذ هذه التسمية من الحبك الذي معناه الشد والاحكام وتحسين أثر الصنعة في الثوب ، فحبك الثوب سدّ ما بين خيوطه من الفرج وشدّه ، وإحكامه بحيث يمنع عنه الخلل مع الحسن
__________________
(١) العقيم : الذي لا يلد. الحوالك : جمع حالكة وهي السوداء. المرابض ؛ جمع مريض ، وهو مأوى الغنم والوحش. يريد انه حشا الماء سفنا عادية بغير قوائم وبطونها عقم لانها لا تلد وهي سود الألوان لانها مقيرة. ويريد بالبيت الثاني ان السفن تحمل الجواري التي سبتها الفوارس.
(٢) النساء ١٤٠.
(٣) الانعام ٦٨.
(٤) النساء ١٦٣.
(٥) الأنبياء ١٠٥.
(٦) حلية اللب ص ١٦٩.
(٧) اللسان (حبك).