التّشريع :
يقال : شرع بابا الى الطريق أنفذه ، وشرع الباب والدار شروعا : أفضي الى الطريق وأشرعه اليه (١).
وقال المدني : «التشريع في اللغة مصدر «شرّع» ـ بالتضعيف. يقال : شرّع بابا الى الطريق تشريعا أي فتحه وبيّنه كـ «أشرعه إشراعا». وشرّع الناقة تشريعا إذا أدخلها في شريعة الماء ـ وهي مورد الابل على الماء ـ والتشريع أيضا إيراد أصحاب الابل ابلهم شريعة لا يحتاج معها الى الاستقاء من البئر. ومنه حديث علي ـ عليهالسلام ـ : «إنّ أهون السقي التشريع». ومن المعنى الاول نقل الى الاصطلاح ، وهو أن تبنى القصيدة على وزنين من أوزان العروض وقافيتين ، فاذا أسقط من أجزاء البيت جزء أو جزءان صار ذلك البيت من وزن آخر ، كأنّ الشاعر شرع في بيته بابا الى وزن آخر. ولما خفي على ابن أبي الاصبع وجه مناسبة التشبيه بين اللغوي والاصطلاحي أو استبعده سمّى هذا النوع : «التوأم» ليطابق بين الاسم والمسمى (٢). وقد ذكر السيوطي أنّ الحريري ابتدع هذا النوع (٣) ، وأنّ الأجدابيّ سماه بهذه التسمية ، ويسمى أيضا «ذا القافيتين» (٤). وقال السبكي إنّ تسميته بالتشريع «عبارة لا يناسب ذكرها فانّ التشريع قد اشتهر استعماله فيما يتعلق بالشرع المطهر وكان اللائق اجتنابها» (٥).
وسمّاه بعضهم «التوشيح» ، قال ابن الاثير : «وهو أن يبني الشاعر أبيات قصيدته على بحرين مختلفين فاذا وقف من البيت على القافية الاولى كان شعرا مستقيما من بحر على عروض واذا أضاف الى ذلك ما بنى عليه شعره من القافية الأخرى كان أيضا شعرا مستقيما من بحر آخر على عروض وصار ما يضاف الى القافية الأولى للبيت كالوشاح ، وكذلك يجري الأمر في الفقرتين من الكلام المنثور فان كل فقرة منهما تصاغ من سجعتين» (٦).
وقال العلوي في تسميته تشريعا : «لأنّ ما هذا حاله من الشعر فانّ النفس تشرع الى تمام القافية وكمالها» (٧).
وسمّاه المصري «التوأم» وأراد بذلك مطابقة التسمية للمسمّى ، قال : «إنّه متى اقتصر على القافية الأولى كان من ضرب ذلك البحر الذي عمل الشاعر بيته منه ، فاذا استوفى أجزاءه وبناه على القافية الثانية كان البيت من ضرب غير ذلك الضرب من ذلك البحر ، وغالبه أن يختلف الرويان وإن جاز توافقهما» (٨). وقال السيوطي : «وهي تسمية مطابقة للمسمى» (٩).
ومن هذا الفن قول بعضهم :
واذا الرياح مع العشيّ تناوحت |
هوج الرمال بكثبهنّ شمالا |
|
ألفيتنا نفري الغبيط لضيفنا |
قبل القتال ونقتل الأبطالا |
فانه لو اقتصر على «الرمال» و «القتال» لكان الشعر من مجزوء الكامل ، وهو :
__________________
(١) اللسان (شرع).
(٢) أنوار الربيع ج ٤ ص ٣٤٣.
(٣) شرح عقود الجمان ص ١٥٥.
(٤) المصباح ص ٨١ ، الإيضاح ص ٣٩٩ ، التلخيص ص ٤٠٥ ، عروس الأفراح ج ٤ ص ٤٦١ ، المختصر ج ٤ ص ٤٦١ ، المطول ص ٤٥٨ ، خزانة الادب ص ١١٩ ، معترك ج ١ ص ٥٠ ، الاتقان ج ٢ ص ١٠٤ ، شرح عقود الجمان ص ١٥٥ ، الاطول ج ٢ ص ٢٣٧ ، مواهب الفتاح ج ٤ ص ٤٦١ ، أنوار الربيع ج ٤ ص ٣٤٣ ، نفحات ص ١١٧ ، شرح الكافية ص ١١٣.
(٥) عروس الأفراح ج ٤ ص ٤٦١ ، وينظر شرح عقود الجمان ص ١٥٥.
(٦) المثل السائر ج ٢ ص ٣٥٩ ، وينظر الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ١٧.
(٧) الطراز ج ٣ ص ٧٠.
(٨) تحرير التحبير ص ٥٢٢ ، بديع القرآن ص ٢٣١.
(٩) شرح عقود الجمان ص ١٥٥.