وإذا الرياح مع العشيّ تناوحت هوج الرمال ألفيتنا نفري الغبيط لضيفنا قبل القتال ومنه قول الآخر :
اسلم ودمت على الحوادث مارسا |
ركنا ثبير أو هضاب حراء |
|
ونل المراد ممكنا منه على |
رغم الدهور وفز بطول بقاء |
ويصيران من المجزوء بقافية آخرى :
اسلم ودمت على الحوادث مارسا ركنا ثبير |
ونل المراد ممكنا منه على رغم الدهور |
وفي هذا الفن تكلف ظاهر ولذلك لا يستعمل إلّا قليلا ، وهو كما قال ابن الأثير : «ليس من الحسن في شيء» (١) ، ولذلك لم يهشّ له أصحاب البديعيات ، وقد قال الحموي : «ولا شك في أنّ هذا النوع لا يأتي إلا بتكلف زائد وتعسف ، فانه راجع الى الصناعة لا الى البلاغة والبراعة» (٢).
التّشطير :
الشّطر نصف الشيء ، والجمع أشطر وشطور ، وشطرته جعلته نصفين (٣).
وهذا الفن من ابتداع العسكري (٤) ، وقد عرّفه بقوله : «هو أن يتوازان المصراعان والجزءان وتتعادل أقسامهما مع قيام كل واحد منهما بنفسه واستغنائه عن صاحبه» (٥). ومثاله قول بعضهم : «من عتب على الزمان طالت معتبته ومن رضي عن الزمان طابت معيشته». ومنه قول أوس بن حجر :
فتحدركم عبس الينا وعامر |
وترفعنا بكر اليكم وتغلب |
وقول أبي تمام :
بمصعّد من حسنه ومصوّب |
ومجمّع من نعته ومفرّق |
وقول البحتري :
فقف مسعدا فيهن إن كنت عاذرا |
وسر مبعدا عنهن إن كنت عاذلا |
وجمع ابن منقذ التشطير والمقابلة في باب واحد وقال : «إنّ المقابلة والتشطير هو أن يقابل مصراع البيت الأول كلمات المصراع الثاني» (٦) ، كقول جرير :
وباسط خير فيكم بيمينه |
وقابض شرّ عنكم بشماليا |
وقول المتنبي :
أزورهم وظلام الليل يشفع لي |
وأنثني وضياء الصّبح يغري بي |
وقول ذي المرمة :
استحدث الركب عن أشياعهم خبرا |
أم راجع القلب من إطرابهم طرب؟ |
وقال المصري : «هو أن يقسم الشاعر بيته شطرين ، ثم يصرّع كل شطر من الشطرين لكنّه يأتي بكل شطر مخالفا لقافية الآخر ليتميز من أخيه فيوافق فيه الاسم المسمّى (٧) ، كقول مسلم بن الوليد :
موف على مهج في يوم ذي رهج |
كأنّه أجل يسعى الى أمل |
وقول أبي تمام :
تدبير معتصم بالله منتقم |
لله مرتغب في الله مرتقب |
ثم قال المصري : «وعندي أنّ بيت أبي تمام أولى من بيت مسلم بهذا الباب ؛ لأنّه عمد الى كل شطر قدّره بيتا وصرّعه تصريعا صحيحا ، وبيت مسلم شطره
__________________
(١) المثل السائر ج ٢ ص ٣٦٠.
(٢) خزانة الادب ص ١٢٠.
(٣) اللسان (شطر).
(٤) كتاب الصناعتين ص ٢٦٧.
(٥) كتاب الصناعتين ص ٤١١.
(٦) البديع في نقد الشعر ص ١٢٨.
(٧) تحرير الحبير ص ٣٠٨.