وسمّاه المظفر العلوي تضمينا وتسميطا وتوشيحا ، ولهذين الفنين معنيان مختلفان عن التضمين ، ولكنه سماهما كذلك ، قال : «باب التضمين ويسمّى التسميط والتوشيح ، وهذا في أشعار العرب قليل جدا وقد استعمل المحدثون من ذلك ما لا يأتي عليه الاحصاء كثرة وعدّا واليسير منه دليل على الكثير.
قال الاخطل :
ولقد سما للخرّميّ فلم يقل |
بعد الونى لكن تضايق مقدمي (١) |
وهذا تضمين لعبارة «لكن تضايق مقدمي» وليس تسميطا أو توشيحا ، إلا اذا نظر أنّ العبارة المضمنة وشحت وسمطت الكلام.
وتحدث القزويني عن الاقتباس في خاتمة كتابيه «الايضاح» و «التلخيص» فقال : «أما الاقتباس فهو أن يضمن الكلام شيئا من القرآن أو الحديث لا على أنّه منه» (٢) ، وقال : «وأمّا التضمين فهو أن يضمن الشعر شيئا من شعر الغير مع التنبيه عليه إن لم يكن مشهورا عند البلغاء» (٣) ، أي انه فرّق بين الاقتباس والتضمين ، فالأول يخص القرآن والحديث على أن لا يدمج قوله تعالى أو كلامه صلىاللهعليهوسلم بكلام الآخرين ، والثاني يخص الشعر. وتبعه في ذلك شراح التلخيص (٤).
ولخّص السيوطي معاني التضمين فقال إنّه يطلق على أشياء (٥).
الأول : ايقاع لفظ موقع غيره لتضمنه معناه ، وهو نوع من المجاز.
الثاني : حصول معنى فيه من غير ذكر له باسم هو عبارة عنه ، وهذا نوع من الايجاز.
الثالث : تعلق ما بعد الفاصلة بها.
الرابع : ادراج كلام الغير في أثناء الكلام لقصد تأكيد المعنى أو ترتيب النظم ، وهذا هو النوع البديعي.
تضمين المزدوج :
قال الوطواط : «ويكون بأن يورد الشاعر أو الكاتب في عباراته أو أبياته لفظين أو أكثر مزدوجين ، وذلك بمراعاته لحدود الاسجاع والقوافي» (٦).
وقال الرازي : «هو أن يكون المتكلم بعد رعايته الاسجاع يجمع في أثناء القرائن بين لفظين متشابهتي الوزن والروي» (٧) كقوله تعالى : (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ)(٨) ، وقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «المؤمنون هينون لينون».
وقال ابن الزّملكاني : «هو أن يقع في أثناء قرائن النثر أو النظم لفظان مسجعان مع مراعاة حدود الاسجاع الأصلية» (٩). وذكر ابن قيم الجوزية (١٠) مثل هذا التعريف وذكر الآية نفسها وقول الشاعر :
تعوّد وسم الوهب والنّهب في العلا |
وهذان وقت اللّطف والعنف دابه |
|
ففي اللطف أرزاق العباد هباته |
وفي العنف أعمار العداة نهابه |
وذكر المدني أنّ هذا النوع من مستخرجات صاحب المعيار (١١) وذكر الأمثلة السابقة وقول البحتري :
__________________
(١) نضرة الاغريض ص ١٩٠.
(٢) الايضاح ص ٤١٦ ، التلخيص ص ٤٢٢.
(٣) الايضاح ص ٤١٩ ، التلخيص ص ٤٢٤.
(٤) عروس الافراح ج ٤ ص ٥١٤ ، المختصر ج ٤ ص ٥١٤ ، المطول ص ٤٧١ ، الاطول ج ٢ ص ٢٥١ ، مواهب الفتاح ج ٤ ص ٥١٤ ، التبيان في البيان ص ٣٤١.
(٥) معترك ج ١ ص ٣٩٨ ، الاتقان ج ٢ ص ٤٠ ، ٥٦ ، ٩٠ ، شرح عقود الجمان ص ١٦٩.
(٦) حدائق السحر ص ١٢٠.
(٧) نهاية الايجاز ص ٣٤ ، الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ١٨.
(٨) النمل ٢٢.
(٩) التبيان ص ١٧٢.
(١٠) الفوائد ص ٢٢٦.
(١١) أنوار الربيع ج ٦ ص ٢١٥.