المعبر عنه» (١). وذكر بيتي الأعشى السابقين. وهذا غريب من السّيوطي ، ولعلّه يريد انه لم ير أحدا أدخل التفريط في المحسّنات المعنوية من البديع.
التّفريع :
فرّع : فرّق ، وفرع كل شيء : أعلاه ، وتفرّعت أغصان الشجرة أي كثرت (٢). والتفريع مصدر قولك : «فرعت من هذا الأصل فروعا» إذا استخرجتها (٣). قال ابن رشيق : «وهو من الاستطراد كالتدريج في التقسيم ، وذلك أن يقصد الشاعر وصفا ما ثم يفرع منه وصفا آخر يزيد الموصوف توكيدا» (٤) ، كقول الكميت :
أحلامكم لسقام الجهل شافية |
كما دماؤكم يشفى بها الكلب |
فوصف شيئا ثم فرّع شيئا آخر لتشبيه شفاء هذا بشفاء هذا.
وقول ابن المعتز :
كلامه أخدع من لحظه |
ووعده أكذب من طيفه |
فبينا هو يصف خدع كلامه فرّع منه خدع لحظه ، ويصف كذب وعده فرّع كذب طيفه. وقال البغدادي : «هو أن يأخذ الشاعر في وصف من الأوصاف فيقول ما كذا ، فينعت شيئا من الأشياء نعتا حسنا ثم يقول بأفعل من كذا» (٥) ، كما قال الأعشى :
ما روضة من رياض الحزن معشبة |
خضراء جاد عليها مسبل هطل |
|
يضاحك الشمس منها كوكب شرق |
مؤزّر بعميم النّبت مكتهل |
|
يوما بأطيب منها نشر رائحة |
ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل |
وقال القرطاجني : «هو أن يصف الشاعر شيئا بوصف ما ثم يلتفت الى شي آخر يوصف بصفة مماثلة أو مشابهة أو مخالفة لما وصف به الأول فيستدرج من أحدهما الى الآخر ويستطرد به اليه على جهة تشبيه أو مفاضلة أو التفات أو غير ذلك مما يناسب به بين بعض المعاني وبعض فيكون ذكر الثاني كالفرع عن ذكر الأول» (٦). وهذا قريب مما ذهب اليه ابن رشيق ، بل الأمثلة واحدة. والتفريع عند المصري نوعان :
أحدهما : أن يبدأ الشاعر بلفظة هي إما اسم وإما صفة ثم يكررها في البيت مضافة الى أسماء وصفات يتفرع من جملتها أنواع من المعاني في المدح وغيره كقول المتنبي :
أنا ابن اللقاء أنا ابن السماء |
أنا ابن الضراب انا ابن الطعان |
|
أنا ابن الفيافي أنا ابن القوافي |
انا ابن السروج أنا ابن الرعان |
|
طويل النجاد طويل العماد |
طويل القناة طويل السنان |
|
حديد اللحاظ حديد الحفاظ |
حديد الحسام حديد الجنان |
وهذا النوع لم يسبق الى استخراجه ، وهو تفريع الجميع لأنّ كل بيت ينطوي على فروع من المعاني شتى من المدح تفرعت من أصل واحد.
والنوع الثاني : يتفرع منه معنى واحد من أصل واحد اما في بيت أو أبيات ، واما في جملة من الكلام او جمل ، وهو أن يصدر الشاعر او المتكلم
__________________
(١) شرح عقود الجمان ص ١٢٣.
(٢) اللسان (فرع).
(٣) أنوار الربيع ج ٦ ص ١١١.
(٤) العمدة ج ٢ ص ٤٤ ، وينظر المنزع البديع ص ٤٦٦.
(٥) قانون البلاغة ص ٤٥٥ ، وينظر الوافي ص ٢٩١.
(٦) منهاج البلغاء ص ٥٩ وينظر الروض المريع ص ٩٦ ، كفاية الطالب ص ١٨٨.