ورفض ما ذكره ابن المعتز فقال : «وقيل : إنّ ابن المعتز قال : لا أعلم ذلك في القرآن ، أعني المذهب الكلامي ، وليس عدم علمه مانعا من علم غيره» (١).
الاحتراس :
الاحتراس من احترس منه أي تحرز ، وتحرّست من فلان واحترست منه بمعنى : تحفظت منه (٢).
وقد تحدث الجاحظ عن «إصابة المقادير» وذكر أنّ طرفة قال في المقدار وإصابته :
فسقى ديارك ـ غير مفسدها ـ |
صوب الربيع وديمة تهمي |
فانه طلب الغيث على قدر الحاجة ؛ لأنّ الفاضل ضار (٣).
ومن محاسن الكلام عند ابن المعتز اعتراض كلام في كلام لم يتمم معناه ثم يعود اليه فيتممه في بيت واحد كقول كثيّر :
لو انّ الباخلين ـ وأنت منهم ـ |
رأوك تعلّموا منك المطالا (٤) |
وعدّه ابن رشيق من تتميم المنى ومبالغة في اللفظ شديدة وقال : «وهو الذي فتق للشعراء هذا الفن وتفّننوا فيه ونوعوه فجاءوا بالاحتراس وغيره فقال طرفة : فسقى ...» (٥). وسماه في العمدة التتميم وقال : «وهو التمام أيضا وبعضهم يسمي ضربا منه احتراسا واحتياطا» (٦) ثم عرفه بقوله : «ومعنى التتميم أن يحاول الشاعر معنى فلا يدع شيئا يتم به حسنة إلا أورده وأتى به إما مبالغة وإما احتياطا واحتراسا من التقصير».
وسماه ابن سنان «التحرز» وقال : «وأما التحرز مما يوجبه الطعن فأن يأتي بكلام لو استمر عليه لكان فيه طعن فيأتي بما يتحرز من ذلك الطعن كقول طرفة : «فسقى ...» فلو لم يقل ـ غير مفسدها ـ لظن به أنّه يريد توالي المطر عليها وفي ذلك فساد للديار ومحو لرسومها» (٧).
وسماه معظم البلاغيين الاحتراس ، وعرّفوه بمثل ما عرّفه به ابن سنان ، فقال ابن منقذ : «هو أن يكون على الشاعر طعن فيحترس منه» (٨). وقال المصري : «هو أن يأتي المتكلم بمعنى يتوجه عليه دخل فيفطن له فيأتي بما يخلصه من ذلك» (٩).
وقال ابن مالك : «الاحتراس أن تأتي في المدح أو غيره بكلام فتراه مدخولا بعيب من جهة دلالة منطوقه أو فحواه فتردفه بكلام آخر لتصونه عن احتمال الخطأ» (١٠).
وقال ابن قيم الجوزية : «وهو أن يذكر لفظا ظاهره الدعاء بالخير والنفع وذلك بما في ضمنه مما يوهم الشر فيذكر فيه كلمة تزيل ذلك الوهم وتدفع ذلك الوهن» (١١).
ولا تخرج تعريفات أبي حيان والزركشي والحموي والمدني عن هذا المعنى (١٢) وأدخله ملخصو المفتاح وشرّاحه في الاطناب وسمّوه الاطناب بالتكميل أو الاحتراس وعرّفه القزويني بقوله : «هو أن يؤتى في كلام يوهم خلاف
__________________
(١) خزانة الأدب ص ١٦٥ ، الاتقان ج ٢ ص ١٣٥ ، شرح عقود الجمان ص ١٢٣ ، حلية اللب ص ١٤٤ ، أنوار الربيع ج ٤ ص ٣٥٦.
(٢) اللسان (حرس).
(٣) البيان ج ١ ص ٢٢٧.
(٤) البديع ص ٥٩.
(٥) قراضة الذهب ص ٢٠.
(٦) العمدة ج ٢ ص ٥٠.
(٧) سر الفصاحة ص ٣٢٢.
(٨) البديع في نقد الشعر ص ٥٥.
(٩) تحرير التحبير ص ٢٤٥ ، بديع القرآن ص ٩٣.
(١٠) المصباح ص ٩٧.
(١١) الفوائد ص ١٥٢.
(١٢) البحر المحيط ج ٦ ص ٢٣٦ ، البرهان ج ٣ ص ٦٤ ، خزانة ص ٤٥٨ ، أنوار الربيع ج ٦ ص ٢٨٥.