أسرع».
الثاني : يوجد في المعنى دون اللفظ مثل : «أطعني ولا تعصني» فإنّ الأمر بالطاعة هو النهي عن المعصية.
وكلّ قسم من هذين القسمين ينقسم الى مفيد وغير مفيد ، فالمفيد الذي يأتي في الكلام توكيدا له وتسديدا من أمره وإشعارا بعظم شأنه ، وهو يأتي في اللفظ والمعنى ، كقوله : قال تعالى : (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ. قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)(١) ثم قال بعد ذلك : (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) (الزّمر ١٤). والمقصود في هذا التكرير غرضان مختلفان ، أما ما جاء في اللفظ والمعنى والمراد به غرض واحد فكقوله تعالى : (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ. وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ)(٢).
وأما القسم الذي هو غير مفيد فهو الذي يأتي في الكلام توكيدا له كقول المتنبي :
ولم أر مثل جيراني ومثلي |
لمثلي عند مثلهم مقام |
وقال ابن شيث القرشي : «التكرير هو أن يأتي بثلاث أو أربع كلمات موزونات ثم يختم (٣) بأخرى تكون القافية إما على وزنهن أو خارجة عنهن ، مثل أن يقال : «لا زال عالي المنار حامي الذمار عزيز الجار هامي النعم وافي المجد نامي الحمد جديد الجد وافر القسم». أو تتكرر اللفظة الواحدة مثل أن يقال : «باسم الأيام باسم الايادي باسم الخدام» ... وفي الشعر :
كأنّ المدام وصوب الغمام |
ونشر الخزامى وريح القطر (٤) |
وهذا نوع من التقطيع الذي يورث تكريرا.
التّكلّف :
تكلّفت الشيء : تجشّمته على مشقة وعلى خلاف عادتك ، ويقال : حملت الشيء تكلفة إذا لم تطقه إلا تكلفا (٥).
وقد عقد ابن منقذ بابا سماه «التكلف والتعسف» وقال : «وهو الكثير من البديع كالتطبيق والتجنيس في القصد لأنّه يدلّ على تكلف الشاعر لذلك وقصده اليه ، واذا كان قليلا نسب الى أنّه طبع في الشاعر ، ولهذا عابوا على أبي تمام لأنّه كثر في شعره ، ثم إنهم استحسنوه في شعر غيره لقلته. وقالوا : إنّه بمنزلة اللثغة تستحسن فاذا كثرت صار خرسا ، والشية تستحسن في الفرس فاذا كثرت صار بلقا ، والجودة تستحسن في الشعر فاذا كثرت صار قططا (٦) ، ولهذا قالوا : خير الأمور أوسطها ، والحسنة بين الشيئين والفضلة بين الرذيلتين» (٧).
التّكميل :
هو الإطناب بالتكميل وقد تقدم. وقد عرّفه المدني بقوله : «التكميل عبارة عن أن يأتي المتكلم بمعنى تام في فن من الفنون فيرى الاقتصار عليه ناقصا فيكمله بمعنى آخر في غير ذلك الفصل الذي أتى به أولا ، كمن مدح انسانا بالحلم فيرى الاقتصار عليه بدون مدحه بالبأس ناقصا فيكمله بذكره» (٨).
__________________
(١) الزمر : ١١ ـ ١٣.
(٢) الروم ٤٨ ـ ٤٩.
(٣) معالم الكتابة ص ٧٧.
(٤) معالم الكتابة ص ٧٧.
(٥) اللسان (كلف).
(٦) القطط : الجعد.
(٧) البديع في نقد الشعر ص ١٦٣.
(٨) أنوار الربيع ج ٥ ص ١٨٥ ، وينظر الروض المريع ص ١٥١ ، نفحات ص ١٣٦ ، التبيان في البيان ص ٣٠٩ ، شرح الكافية ص ١٤٢.