تكون فيه فإنها تمتزج في الامتزاج بحيث لا يظهر منها لكل شيئين إلا صورة واحدة. والفرق بين التمزيج والادماج أنّ الادماج كالتعليق لا يكون إلا بالفنون دون المعاني بخلاف التمزيج وإن اشتبه التمزيج في إيجاد الصور ، لا يكون إلا بالمعاني البديعية دون المعاني النفسية ودون الفنون. والفرق بين التعليق والتكميل دقيق وقد جاء في الكتاب العزيز من التمزيج قوله تعالى : (رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ)(١) فإنّها امتزج فيها فنا الأدب والهجاء بمعنى الإرداف والتتميم وتولّد من ذلك ما استخرجته منها من بقية المحاسن ، فكان ذلك أربعة عشر نوعا يضيق هذا المكان عن ذكرها مفصّلة ، وقد ذكرتها مفصّلة في «بديع القرآن» العزيز» (٢).
وقد ذكر ابن الاثير الحلبي فنا سمّاه «التعريج» وقال : «هذا الباب يسمّى بحسن الارتباط ويسمّى حسن الترتيب ويسمّى حسن النسق ، وحقيقته أئتلاف الكلام بعضه ببعض حتى كأنه أفرغ في قالب واحد. وأكثر ما يوجد هذا النوع مستعملا في كتاب الله تعالى الدالّ على الاعجاز ، وسمّي الارتباط لأنّه اذا جاءت الآية وعلم تأويل الارتباط بين الآيتين وامتزج معناهما علم حسن الترتيب فسمي حسن الارتباط لذلك. وكذلك تسميته بالتمزيج وحسن النسق وحسن الترتيب» (٣). وليس هذا تعريجا وإنّما هو «التمزيج» الذي ذكره المصري لأنّ تعريفه قريب من ذلك ولأن ابن الأثير الحلبي ردد كلمة «التمزيج» عدة مرات في هذا التعريف ، وفي الكتاب خطأ وقع في العنوان الذي كتب صحيحا في مسارد الكتاب ، يضاف الى ذلك أنّ التعريج ليس من الفنون المذكورة في كتب البلاغة المعروفة.
التّمكين :
مكن مكانه فهو مكين ، وتمكّن مثل مكن. وتمكن بالمكان وتمكنه أي ثبت فيه ، وتمكّن من الشيء واستمكن : ظفر (٤).
والتمكين هو «ائتلاف القافية» وقد تقدم. وكان اسمه «ائتلاف القافية» عند قدامة ولكن الذين جاءوا بعده سموه «التمكين» (٥).
التّمليط :
ملط الحائط ملطا وملّطه : طلاه ، والملاط : الطين الذي يجعل بين سافي البناء ويملطه في الحائط.
والملاطان جانبا السنام مما يلي مقدّمه ، والملاطان : الجنبان ، سميا بذلك لأنّهما قد ملط اللحم عنهما ملطا أي نزع ، والملاطان : الكتفان ، والملاطان :العضدان (٦). وقال ابن رشيق : «واشتقاق التمليط من أحد شيئين :
أوّلهما : أن يكون من الملاطين ، وهما جانبا السنام في مرد الكتفين ، قال جرير :
ظللن حوالي خدر أسماء وانتحى |
باسماء موّار الملاطين أروح |
فكأنّ كل قسيم ملاط ، أي جانب من البيت ، وهما عند ابن السكيت العضدان. والآخر : وهو الأجود ، أن يكون اشتقاقه من الملاط وهو الطين يدخل في البناء يملط به الحائط ملطا ، أي يدخل بين اللبن حتى يصير شيئا واحدا. وأما الملط ـ وهو الذي لا يبالي ما صنع ـ والأملط الذي لا شعر عليه في جسده فليس
__________________
(١) الأنبياء ١١٢.
(٢) تحرير التحبير ص ٥٣٨ ـ ٥٣٩ ، وينظر باب التوليد في بديع القرآن ص ٢٠٧ ـ ٢١١ ، نفحات ص ٢٠٤.
(٣) جوهر الكنز ص ١٥٤.
(٤) اللسان (مكن).
(٥) نقد الشعر ص ١٩٠ ، تحرير التحبير ص ٢٢٤ ، بديع القرآن ص ٨٩ ، المصباح ص ١١٧ ، جوهر الكنز ص ٢٠٠ ، خزانة ص ٤٣٩ ، معترك ج ١ ص ٣٩ ، شرح عقود الجمان ص ١٥٥ ، أنوار الربيع ج ٦ ص ١٥١ ، نفحات ص ٣٢٢ ، شرح الكافية ص ٢٦٧.
(٦) اللسان (ملط).