لاشتقاقه منهما وجه» (١).
وقد تحدّث ابن رشيق عنه في باب «التضمين والاجازة» وقال : «ومن هذا الباب نوع يسمى التمليط ، وهو أن يتساجل الشاعران فيصنع هذا قسيما وهذا قسيما لينظر أيهما ينقطع قبل صاحبه» (٢).
وفي الحكاية أنّ امرأ القيس قال للتوأم اليشكري : إن كنت شاعرا كما تقول فملط أنصاف ما أقول فأجزها قال : نعم.
قال امرؤ القيس :
أحار ترى بريقا هبّ وهنا.
فقال التوأم :
كنار مجوس تستعر استعارا
فقال امرؤ القيس :
أرقت له ونام أبو شريح
فقال التوأم :
إذا ما قلت قد هدأ استطارا
وربما ملّط الأبيات شعراء جماعة كما يحكى أن أبا نواس والعباس بن الاحنف والحسين بن الضحاك الخليع ومسلم بن الوليد الصريع خرجوا في متنزه لهم ومعهم يحيى بن المعلّى فقام يصلي بهم فنسي الحمد وقرأ : «قل هو الله أحد» فارتج عليه في نصفها فقال أبو نواس : أجيزوا :
أكثر يحيى غلطا |
في «قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ» |
فقال العباس :
قام طويلا ساهيا |
حتى إذا أعيا سجد |
فقال مسلم :
يزحر في محرابه |
زحير حبلى بولد |
|
كأنّما لسانه |
شدّ بحبل من مسد |
وكان الخطابي قد تحدث عن الاجازة وذكر طرفا مما ذكره ابن رشيق (٣).
التّمنّي :
تمنّى الشيء : أراده ، والتمني : تشهّي حصول الأمر المرغوب فيه (٤).
ولا يخرج معنى التمني عند البلاغيين عن هذا المعنى فهو توقع أمر محبوب في المستقبل ، والفرق بينه وبين الترجي أنّه يدخل في المستحيلات ، والترجي لا يكون إلا في الممكنات (٥). ولكن البلاغيين ـ مع ذلك ـ يفرقون بين نوعين من التمني :
الأوّل : توقع الأمر المحبوب الذي لا يرجى حصوله لكونه مستحيلا كقوله تعالى : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً)(٦) ، وقول الشاعر :
ألا ليت الشّباب يعود يوما |
فأخبره بما فعل المشيب |
الثاني : توقع الأمر المحبوب الذي لا يرجى حصوله لكونه ممكنا غير مطموع في نيله كقوله تعالى : (يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ)(٧).
والأداة الموضوعة للتمني «ليت» وقد تستعمل ثلاثة أحرف للدلالة عليه :
أحدها : «هل» كقوله تعالى : (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ
__________________
(١) العمدة ج ٢ ص ٩٢.
(٢) العمدة ج ٢ ص ٩١.
(٣) بيان إعجاز القرآن ص ٥٤ ، وينظر العمدة ج ١ ص ٢٠٢ ، ج ٢ ص ٩١ ـ ٩٢.
(٤) اللسان (مني).
(٥) البرهان في علوم القرآن ج ٢ ص ٣٢٣.
(٦) النساء ٧٣.
(٧) القصص ٧٩.