أرى هجرها والقتل مثلين فاقصروا |
ملامكم فالقتل أعفى وأيسر |
فأوجب هذا الشاعر الهجر والقتل أنّهما مثلان ثم سلبهما ذلك بقوله : «إنّ القتل أعفى وأيسر» فكأنه قال : «إنّ القتل مثل الهجر وليس هو مثله».
التّنبيه :
نبّهه وأنبهه من النوم فتنبّه وانتبه ، وانتبه من نومه :استيقظ ، والتنبيه مثله. ونبّهه من الغفلة فانتبه وتنبّه :أيقظه ، وتنبّه على الأمر : شعر به ونبّهته على الشي :وقّفته عليه فتنبه هو عليه (١).
قال التبريزي : «هو أن يقول الشاعر بيتا يرسله إرسال غير متحرز من المنتقد عليه ثم يتنبّه على ذلك فيستدرك موضع الطعن عليه بما يصلحه وربما كان ذلك في الشطر الأول من البيت فيتلافاه في الشطر الثاني وربما كان في بيت فيتلافاه في الثاني» (٢) ، كقول بعضهم :
هو الذئب أو للذئب أو فى أمانة |
وما منهما إلا أزلّ خؤون |
كأنه لما قال : «أو للذئب أو فى أمانة» تنبه على أنّ قائلا يقول له : وأية أمانة في الذئب؟ فقال مستدركا لخطئه : «وما منهما إلا أزلّ خؤون» فسلم له البيت.
ومن ذلك :
إذا ما ظمئت الى ريقها |
جعلت المدامة منه بديلا |
|
وأين المدامة من ريقها |
ولكن أعللّ قلبا عليلا |
فنبّه بقوله : «وأين المدامة من ريقها» على قول القائل : وهل تكون المدامة بدلا عن ريقها ، فاستدرك عند ذلك بقوله : «ولكن أعللّ قلبا عليلا».
وبعد أن ذكر العلوي ما ذكره التبريزي وابن الزملكاني قال : «ومما هو منسحب في أذيال التنبيه التتميم ، وهو أن نأخذ في بيان معنى فيقع في نفسك أنّ السامع لم يتصوره على حدّ حقيقته وإيضاح معناه فتعود اليه مؤكدا له فيندرج تحت ما ذكرناه من خاصة التنبيه» (٣). وهذا كقول ابن الرومي :
آراؤكم ووجوهكم وسيوفكم |
في الحادثات إذا دجون نجوم |
|
منها معالم للهدى ومصابح |
تجلو الدّجى والأخريات رجوم |
فقوله : «نجوم» ورد غير مشروح لأنّه يفهم منه ما ذكره من التفصيل في البيت الآخر فلهذا كان مبهما فلما شرح تقاسيم النجوم في البيت الثاني جاء متمما له ومكملا لمعناه. قال العلوي : «فلا جرم كان معنى التتميم فيه حاصلا وكان فيه التنبيه على ما ذكرناه فلهذا أوردناه على أثر التنبيه لما كان قريبا منه وملتصقا به ، فكان أحقّ بالايراد على أثره» (٤).
التّندير :
ندر الشيء يندر ندورا : سقط ، وقيل : سقط وشذّ ، ونوادر الكلام تندر وهي ما شذّ وخرج من الجمهور (٥).
التندير من مبتدعات المصري ، وقد قال في تعريفه : «هو أن يأتي المتكلم بنادرة حلوة أو مجنة مستطرفة ، وهو يقع في الجدّ والهزل» (٦). ومن لطيف ما جاء منه في الجد وبديعه قوله تعالى : (فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ)(٧). وأما ما جاء منه في الهزل
__________________
(١) اللسان (نبه).
(٢) الوافي ص ٢٩٨ ، وينظر البيان ص ١٨٩ ، وينظر الروض المريع ص ٧٧ ، ٨٨.
(٣) الطراز ج ٣ ص ٨٨.
(٤) الطراز ج ٣ ص ٨٩.
(٥) اللسان (ندر).
(٦) تحرير التحبير ص ٥٧١ ، بديع القرآن ص ٢٨٥.
(٧) الأحزاب ١٩.