الشعر وجودة الكلام وحسن سبكه وترتيبه.
وعقد المصري بابا لهذا الفن وقال : «التهذيب عبارة عن ترداد النظر في الكلام بعد عمله لينقح ويتنبه منه لما مرّ على الناثر أو الشاعر حين يكون مستغرق الفكر في العمل فيغير منه ما يجب تغييره ويحذف ما ينبغي حذفه ويصلح ما يتعين اصلاحه ويكشف عما يشكل عليه من غريبه وإعرابه ويحرر ما لم يتحرر من معانيه وألفاظه حتى تتكامل صحته وتروق بهجته» (١). وذكر بعض ما يتصل بتنقيح الشعر ووصية أبي تمام للبحتري في صناعة المنظوم ، وقال إنّ التهذيب ثلاثة أقسام :
الاول : قسم يكون بعد الفراغ من نظم الكلام باعادة النظر في لينقحه ويحرره ، وهذا القسم لا يقع في الكتاب العزيز.
الثاني : قسم هو حسن الترتيب في النظم إما في الارتقاء في الأدنى الى الأعلى او بتقديم ما يجب تقديمه وتأخير ما يجب تأخيره.
الثالث : قسم يعضد المعنى أو يقل التركيب او سوء الجوار ، إما في حروف مفردات الكلمة فيتجنب وقت التأليف تلك اللفظة التي وقع فيها ذلك من المواضع الأول أو سوء الجوار في مجاورة الكلام بعضه لبعض إذا كانت بهذه المثابة (٢).
وقال المصري ايضا : «إنّ التهذيب لا شاهد له يخصه لأنّه وصف يعمّ كل كلام منقح محرر ، إلا أنّا نلخص فيه ما يعرف به وهو أن نقول : كل كلام قيل فيه لو كان موضع هذه الكلمة غيرها أو لو تقدم هذا المتأخر أو تأخر هذا المتقدم أو لو تمّ هذا النقص أو تكمل هذا الوصف أو لو حذفت هذه اللفظة بتة أو لو طرح هذا البيت جملة أو لو وضح هذا المقصد أو تسهّل هذا المطلب لكان الكلام أحسن والمعنى أبين ، فهو خال من التهذيب ، عار من التنقيح والتأديب» (٣).
ومن أمثلة ذلك قول سيف الدولة يخاطب أخاه ناصر الدولة :
وما كان لي عنها نكول وإنّما |
تجاوزت عن حقّي ليغدو لك الحقّ |
فإنّ سيف الدولة ـ كما قيل ـ كان قد عمل أولا «وما كان عنها لي نكول» ثم فطن الى أنّ هذا السّبك ـ يستثقل لقرب الحروف المتقاربة المخارج ، واذا قدّم «لي» على لفظة «عنها» سهل التركيب وحصل التهذيب.
ولم يخرج البلاغيون كابن الاثير الحلبي وابن قيم الجوزية والحموي والمدني عما ذكره ابن منقذ والمصري (٤).
التّهكّم :
تهكّم على الأمر وتهكّم بنا : زرى علينا وعبث بنا (٥). وقال المدني : «التهكم : التهدم في البئر ونحوها ، والاستهزاء والطعن المتدارك والتبختر والغضب الشديد والتندم على الأمر الفائت والمطر الكثير الذي لا يطاق والتغني. والمقصود هنا المعنى الثاني وهو الاستهزاء ، وفي كونه منقولا من التهدم ـ كما قال بعضهم ـ أو الغضب ـ كما قال آخرون ـ نظر ، لأنّه قد ورد التهكم بمعنى الاستهزاء في اللغة فأيّ داع الى كونه منقولا من معنى آخر؟ نعم هو في الاصطلاح أخص منه في اللغة لأنّه في اللغة بمعنى الاستهزاء مطلقا ، وفي الاصطلاح هو الخطاب بلفظ الاجلال في موضع التحقير ، والبشارة في موضع التحذير ، والوعد في مكان الوعيد ، والعذر في موضع
__________________
(١) تحرير التحيير ص ٤٠١.
(٢) بديع القرآن ص ١٥٨.
(٣) تحرير ص ٤٠٤.
(٤) جوهر الكنز ص ٢٩٥ ، الفوائد ص ٢١٨ ، خزانة ص ٢٣٥ ، أنوار الربيع ج ٥ ص ١٤٩ ، نفحات ص ١٨٠ ، شرح الكافية ص ٢٥٩.
(٥) اللسان (هكم).