أربعة : اختراع واستحقاق وشركة وسرقة. فالاختراع هو الغاية في الاستحسان ، والاستحقاق تال له ، والشركة منها ما يساوي الآخر فيه الأول فهذا لا عيب فيه ، ومنها ما ينحط فيه الآخر عن الأول فهذا معيب ، والسرقة كلها معيبة وإن كان بعضها أشدّ قبحا من بعض» (١).
وقال ابن قيّم الجوزية : «الاختراع هو أن يذكر المؤلف معنى لم يسبق اليه ، واشتقاقه من التليين والتسهيل ، يقال : نبت خرع إذا كان لينا فكأن المتكلم سهل طريقه حتى أخرجه من العدم الى الوجود. ومنه في القرآن كثير ، من ذلك قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ، وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ، ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)(٢). ولم يسمع بمثل هذا التمثيل البديع لأحد قبل نزول القرآن ولو سمع لكان القرآن سابقا ولا يكون مثله ولا قريبا منه وكذلك جميع أمثال القرآن ليس لها أمثال ..
ومثال ذلك من السنة النبوية قوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «حمي الوطيس» فانّ رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أول من تكلم بهذا حين قدّم المسلمون خالد بن الوليد في غزوة مؤتة حين حمل خالد في العدو ، والوطيس هو التنور ، فعبّر بشدة حميه ووقوده عن شدة الحرب واتقادها واتقاد نارها حين حمل خالد ابن الوليد رضياللهعنه. ومن ذلك قوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «أما بعد» (٣).
وقد تكلم البلاغيون على هذا الفن في باب «سلامة الاختراع» ولم ينفرد بمثل هذا البحث غير ابن قيم الجوزية كما تشير الى ذلك المصادر المعروفة.
الاختزال :
الاختزال : الاقتطاع ، يقال : اختزله عن القوم مثل اختزعه ، واختزل فلان المال : اذا اقتطعه ، والاختزال :الحذف استعمله سيبويه كثيرا وقال ابن سيده : «لا أعلم ذلك عن غيره» ، وانخزل في كلامه : انقطع (٤).
والاختزال من أنواع الحذف ، وقد قسّم بعضهم هذا الاسلوب ، عدة أقسام ، والاختزال أحد تلك الأقسام ، وهو ما ليس اقتطاعا أي حذف بعض حروف الكلمة ، أو اكتفاء أي حذف أحد الشيئين المتلازمين ، أو احتباكا أي الحذف من الأول ما اثبت نظيره في الثاني ، ومن الثاني ما أثبت نظيره في الأول.
والاختزال أقسام ، لأن المحذوف اما كلمة : اسم ، أو فعل ، أو حرف ، أو أكثر (٥).
ومن حذف الاسم ، حذف المضاف ، وهو كثير جدا في القرآن الكريم ومنه (الْحَجُّ أَشْهُرٌ)(٦) أي : حج أشهر ، و (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ)(٧) أي : نكاح امهاتكم.
وحذف المضاف اليه مثل قوله تعالى : (رَبِّ اغْفِرْ لِي)(٨) ، أي : يا ربي. وحذف المبتدأ كقوله : (وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ. نارٌ حامِيَةٌ)(٩) أي : هي نار ، وقوله : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ)(١٠) أي : فعمله لنفسه ، وقوله : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ)(١١) ، أي : هم ، وقوله : (أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها)(١٢) أي : دائم. وحذف الموصوف كقوله تعالى : (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ)(١٣) أي : حور قاصرات.
__________________
(١) منهاج البلغاء ص ١٩٦.
(٢) الحج ٧٣.
(٣) الفوائد ص ١٥٦.
(٤) اللسان (خزل).
(٥) معترك ج ١ ص ٣٢٣ ، الاتقان ج ٢ ص ٦٢.
(٦) البقرة ١٩٧.
(٧) النساء ٢٣.
(٨) الاعراف ١٥١.
(٩) القارعة ٩ ـ ١٠.
(١٠) الجاثية ١٥.
(١١) البقرة ١٨.
(١٢) الرعد ٣٥.
(١٣) الصافات ٤٨.