وللجامع أهمية عند البلاغيين في دراسة علم المعاني ولذلك قال القزويني : «ولصاحب علم المعاني فضل احتياج الى التنبه لأنواع الجامع لا سيما الخيالي فإنّ جمعه على مجرى الإلف والعادة بحسب ما تنعقد الأسباب في ذلك كالجمع بين الابل والسماء والجبال والارض في قوله تعالى : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ. وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ. وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)(١) بالنسبة الى أهل الوبر فانّ جلّ انتفاعهم في معاشهم من الابل فتكون عنايتهم مصروفة اليها وانتفاعهم منها لا يحصل إلا بأن ترعى وتشرب وذلك بنزول المطر فيكثر تقلب وجوههم في السماء. ثم لا بدّ لهم من مأوى يؤويهم وحصن يتحصنون به ، ولا شيء لهم في ذلك كالجبال ، ثم لا غنى لهم لتعذر طول مكثهم في منزل عن التنقل من أرض الى سواها ، فاذا فتّش البدوي في خياله وجد صور هذه الأشياء حاضرة فيه على الترتيب المذكور بخلاف الحضري فاذا تلا قبل الوقوف على ما ذكرناه ظنّ النسق لجهله معيبا» (٢).
الجحد :
الجحد والجحود : نقيض الإقرار كالإنكار والمعرفة ، جحده جحدا وجحودا (٣).
قال ابن شيث القرشي : «الجحد وهو أن تنكر شيئا لا تتحقق فيه الانكار بل هو على حكم المبالغة. مثاله : «وقلبي قلق لما بلغني من تأملك ولا والله مالي بقلبي منذ بلغني ذلك عهد. وعندي من الألم ما لا استطيع التصبر عنه ، ولا والله ما أعرف الألم بعدم الاحساس بالحال التي أحدثها عند الوجد». وفي الشعر :
يقولون لو سلّيت قلبك لارعوى |
فقلت : وهل للعاشقين قلوب (٤) |
وهو الإفراط في الصفة عند ابن المعتز (٥) ، أي أنّه مبالغة كما قرر ابن شيث نفسه.
الجزالة :
الجزل : الحطب اليابس وقيل الغليظ ، ورجل جزل الرأي وامرأة جزلة بيّنه الجزالة : جيدة الرأي. واللفظ الجزل : خلاف الركيك (٦).
قال ابن شيث القرشي عن الجزالة والسهولة : «وهذان النوعان من محاسن الكتابة فإنّ الكاتب الكيّس يطلب أحدهما فإن وجد فيه المقصود وكان الكلام له فيه منقادا وإلا طلب الآخر. وأكثر المطبوعين يميلون الى النوع الثاني وهو لعمري خليق بالميل اليه لبعده من التكلف.
فالاول : «إن شئت لقانا فالقنا في القنا ، فان أسياقنا تشرئب الى شرب الدماء كما تشرئب الى الماء خواطر النفوس الظماء وتحب أن تخب بنا الجياد في الهيجاء كما يخب لسان الملجلج في الهجاء. فالغمرة الخمرة ، والعجاجة الزجاجة ونحن شربها وندمانها وغيرنا قتيلها وسكرانها» (٧).
والثاني : «أنت يا أخي وفقك الله أودّ الى قلبي من الماء الزلال عند العطش وأحب الى ناظري من السفور عند الغبش. ولو أوتيت مطالبي لم أفارقك طرفة عين ولم أطالب الأنام من بعدك بثار ولا من قربك بدين ، وقلبك شهيد دعواي وضميرك سمير نجواي ، فما أحدثك من محنتي إلّا بما أنت به عليم ولا أحدث بك من الشغف إلا ما هو عندك قديم. فصموتي إعراب وإعراضي إقبال على الثقة لا إضراب».
__________________
(١) الغاشية الآيات ١٧ ـ ٢٠.
(٢) الايضاح ص ١٦٤ ، التلخيص ص ١٩٤.
(٣) اللسان (جحد).
(٤) معالم الكتابة ص ٨١.
(٥) البديع ص ٦٥.
(٦) اللسان (جزل).
(٧) لقانا : مصدر لقي ، فالقنا : فعل أمر ، القنا : جمع قناة وهي الرمح. اشرأب : رفع رأسه للشرب.
تخب : الخبب : نوع من المشي. الغمرة : الشدة.