تشابه يوماه علينا فأشكلا |
فما نحن ندري أيّ يوميه أفضل |
|
أيوم نداه الغمر أم يوم بأسه |
وما منهما إلا أغرّ محجّل |
فإنّه أدخل يوميه في التشابه والاشكال ثم فرّق بينهما فجعل أحدهما للبذل والسماحة ، والثاني للنجدة والشجاعة.
وقول البحتري :
ولما التقينا والنقا موعد لنا |
تعجّب رائي الدرّ حسنا ولا قطه |
|
فمن لؤلؤ تجلوه عند ابتسامها |
ومن لؤلؤ عند الحديث تساقطه |
فجمع المرئي من الدر والملقوط منه في كونهما متعجبا منهما ، ثم فرّق بينهما فجعل الأول مجلوا عند الابتسام وهو ثغره ، وجعل الثاني مسقطا عند المحادثة وهو حديثه.
الجمع مع التّفريق والتّقسيم :
ذكر الرازي الجمع والتفريق والتقسيم في وجه واحد وقال : «وأما الجمع مع التفريق والتقسيم فكقول الحاتمي :
ومن قيّد المعبود قيّد عبده |
وذلك باد وهو خاف على القلب |
|
فقيدك في أسر وقيدي في الأسى |
وذاك على أجل وهذا على قلب (١) |
وأدخله السكاكي في المحسنات المعنوية (٢) وقال : «كما إذا قلت :
فكالنار ضوء وكالنار حرّا |
محيّا حبيبي وحرقة بالي |
|
فذلك من ضوئه في اختيال |
وهذا لحرقته في اختلال |
ولك أن تلحق بهذا القبيل قوله ـ عز سلطانه ـ : (يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ. فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ. خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ. وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)(٣).
وعلّق القزويني على كلامه تعالى بقوله : «أمّا الجمع ففي قوله : (يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) فإنّ قوله (نَفْسٌ) متعدد معنى لأنّ النكرة في سياق النفي تعمّ ، وأمّا التفريق ففي قوله : (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ،) وأمّا التقسيم ففي قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا) الى آخر الآية الثانية» (٤).
وذكر قول ابن شرف القيرواني :
لمختلفي الحاجات جمع ببابه |
فهذا له فنّ وهذا له فنّ |
|
فللخامل العليا وللمعدم الغنى |
وللمذنب العتبى وللخائف الأمن |
وتبعه في ذلك شرّاح التلخيص والسيوطي والمدني (٥).
والجمع بين هذه الاشياء الثلاثة صعب ولذلك قال الوطواط : «جمع هذه الأشياء الثلاثة مع بعضها مشكل للغاية» (٦).
__________________
(١) نهاية الايجاز ص ١١٦.
(٢) مفتاح العلوم ص ٢٠١.
(٣) هود ١٠٥ ـ ١٠٨.
(٤) الايضاح ص ٣٦٠ ، التلخيص ص ٣٦٦.
(٥) شروح التلخيص ج ٤ ص ٣٤١ ، المطول ص ٤٣٠ ، الاطول ج ٢ ص ٢٠٢ ، معترك ج ١ ص ٤٠٤ ، الاتقان ج ٢ ص ٩٢ ، شرح عقود الجمان ص ١٢٠ ، أنوار الربيع ج ٥ ص ١٧٦ ، التبيان في البيان ص ٣٣٦.
(٦) حدائق السحر ص ١٨٠.