من فاتني بأبيه |
ولم يفتني بأمّه |
|
ورام شتمي ظلما |
سكتّ عن نصف شتمه |
ومن هذا الباب قول ابن الرومي :
تخذتكم درعا حصينا لتدفعوا |
نبال العدا عني فكنتم نصالها |
|
وقد كنت أرجو منكم خير ناصر |
على حين خذلان اليمين شمالها |
|
فإن أنتم لم تحفظوا لمودّتي |
ذماما فكونوا لا عليها ولا لها |
|
قفوا وقفة المعذور عني بمعزل |
وخلّوا نبالي للعدا ونبالها |
فاتبعه ابن سنان الجفاجي الحلبي فقال :
أعددتكم لدفاع كلّ ملمّة |
عونا فكنتم عون كل ملمّة |
|
وتخذتكم لي جنّة فكأنما |
نظر العدوّ مقاتلي من جنّتي |
|
فلأنفضنّ يديّ يأسا منكم |
نفض الأنامل من تراب الميّت |
ومن مليح الاتّباع ما وقع بين ابن الرومي وأبي حية النميري فيما قاله ، في زينب أخت الحجاج حيث قال :
تضوّع مشكا بطن نعمان إذ مشت |
به زينب في نسوة عطرات |
|
يخمّرن أطراف البنان من التّقى |
ويبرزن شطر الليل معتجرات |
|
فهنّ اللواتي إن برزن قتلنني |
وإن غبن قطّعن الحشا حسرات |
وقد اتّبع ابن الرومي أبا حية في البيت الأخير فقال :
ويلاه إن نظرت وإن هي أعرضت |
وقع السّهام ونزعهنّ أليم |
حسن الأخذ :
يتصل هذا النوع بالسرقات ، وهي مسألة لا بدّ منها لأنّ اللاحق يتأثر بالسابق ، قال العسكري : «ليس لأحد من أصناف القائلين غنى عن تناول المعاني ممن تقدمهم والصبّ على قوالب من سبقهم. ولكن عليهم إذا أخذوها أن يكسوها ألفاظا من عندهم ويبرزوها في معارض تأليف ويوردوها في غير حليتها الأولى ويزيدوها في حسن تأليفها وجودة تركيبها وكمال حليتها ومعرضها ، فاذا فعلوا ذلك فهم أحقّ بها ممن سبق اليها. ولو لا أنّ القائل يؤدي ما سمع لما كان في طاقته أن يقول وإنما ينطق الطفل بعد استماعه من البالغين» (١). ثم قال : «وقد أطبق المتقدمون والمتأخرون على تداول المعاني بينهم فليس على أحد فيه عيب إلا إذا أخذه بلفظه كله أو أخذه فأفسده وقصّر فيه عمن تقدمه» (٢). وهذا قريب من «حسن الاتباع» بل هو نفسه لأنّ ما اشترطه العسكري ينطبق على النوعين. وقد استعمل مصطلح «حسن الاتباع» (٣) وهو يتحدث عن «حسن الأخذ» فكأنه يريد بهما معنى واحدا. ومن ذلك قول وهب بن الحارث بن زهرة :
تبدو كواكبه والشّمس طالعة |
تجري على الكأس منه الصاب والمقر |
أخذه النابغة فقال :
تبدو كواكبه والشّمس طالعة |
لا النور نور ولا الإظلام إظلام |
وأخذ قول رجل من كندة في عمرو بن هند :
هو الشمس وافت يوم دجن فأفضلت |
على كلّ ضوء والملوك كواكب |
فقال :
__________________
(١) كتاب الصناعتين ص ١٩٦.
(٢) كتاب الصناعتين ص ١٩٧.
(٣) كتاب الصناعتين ص ٢١٤.