ينبغي تأخيره منها ، وصرفها عن وجوهها ، وتغيير صيغتها ، ومخالفة الاستعمال في نظمها. قال العتابي : الألفاظ أجساد والمعاني أرواح وإنّما تراها بعيون القلوب ، فاذا قدّمت منها مؤخرا أو أخرت منها مقدما أفسدت الصورة وغيّرت المعنى كما لو حوّل رأس الى موضع يد أو يد الى موضع رجل لتحولّت الخلقة وتغيرت الحلية. وقد أحسن في هذا التمثيل وأعلم به على أنّ الذي ينبغي في صيغة الكلام وضع كل شي منه في موضعه ليخرج بذلك من سوء النظم» (١).
حسن المطالع والمبادي :
هو براعة الاستهلال أو براعة المطلع أو حسن الابتداء أو حسن الافتتاح (٢).
حسن المطلب :
قال السّيوطي بعد أن تكلّم على التّخلّص والفرق بينه وبين الاستطراد : «ويقرب منه حسن المطلب ، قال الزنجاني والطيبيّ : وهو أن يخرج الى الغرض بعد تقدمة الوسيلة كقولك : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)(٣). قال الطيبي : ومما اجتمع فيه حسن التخلص والمطلب معا قوله تعالى حكاية عن إبراهيم : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ. الَّذِي خَلَقَنِي)(٤) الى قوله : (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)(٥).
حسن المقطع :
هو الانتهاء وبراعة المقطع وحسن الخاتمة ، وقد سمّاه كذلك الثعالبي والوطواط وابن قيم الجوزية والتيفاشي (٦) وكان العسكري قد تحدث عن ذلك فقال : «وقلما رأينا بليغا إلا وهو يقطع كلامه على معنى بديع أو لفظ حسن رشيق» (٧) وقال : «فينبغي أن يكون آخر بيت قصيدتك أجود بيت فيها وأدخل في المعنى الذي قصدت له في نظمها».
وتحدث العسكري أيضا عن حسن المقطع وقال : «ومن حسن المقطع جودة الفاصلة وحسن موقعها وتمكنها في موضعها (٨)». وهو ثلاثة أضرب :
الأوّل : أن يضيق الشاعر موضع القافية فيأتي بلفظ قصير قليل الحروف فيتمم به البيت ، كقول زهير :
وأعلم ما في اليوم والأمس قبله |
ولكنّني عن علم ما في غد عمي |
وقول النابغة :
كالأقحوان غداة غبّ سمائه |
جفّت أعاليه وأسفله ندي |
الثاني : أن يضيق به المكان أيضا ويعجز عن إيراد كلمة سالمة تحتاج الى إعراب ليتم بها البيت فيأتي بكلمة معتلة لا تحتاج الى الإعراب فيتمه بها ، كقول امرئ القيس :
بعثنا ربيّا قبل ذاك مخمّلا |
كذئب الغضا يمشي الضراء ويتقي |
وقول زهير :
صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو |
وأقفر من سلمى التعانيق فالثقل |
وقول الحطيئة :
__________________
(١) كتاب الصناعتين ص ١٦١.
(٢) الفوائد ص ١٣٧ ، التبيان في البيان ص ٣٧٨.
(٣) الفاتحة ٥.
(٤) الشعراء ٧٧ ـ ٧٨.
(٥) الشعراء ٨٣.
(٦) معترك ج ١ ص ٦٢ ، التبيان في علم البيان ص ٣٨٥.
(٧) يتيمة الدهر ج ١ ص ٢٣٧ ، حدائق السحر ص ١٢٧ ، الفوائد ص ١٣٨ ، أنوار الربيع ج ٦ ص ٣٢٤ ، التبيان في البيان ص ٣٨٧ ، شرح الكافية ص ٣٣٣ وفيه «براعة الختام».
(٨) كتاب الصناعتين ص ٤٤٣.