دع المكارم لا ترحل لبغيتها |
واقعد فانّك أنت الطاعم الكاسي |
الثالث : أن تكون الفاصلة لائقة بما تقدمها من ألفاظ الجزء من الرسالة أو البيت من الشعر وتكون مستقرة في قرارها ومتمكنة في موضعها حتى لا يسدّ مسدّها غيرها وإن لم تكن قصيرة قليلة الحروف ، كقوله تعالى : (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى. وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا. وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى)(١). فابكى مع أضحك وأحيا مع أمات والانثى مع الذكر. وقوله تعالى : (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى. وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى)(٢) ، فالأولى مع الآخرة والرضا مع العطية في نهاية الجودة وغاية حسن الموقع.
ومن الشعر قول الحطيئة :
هم القوم الذين إذا ألمّت |
من الأيام مظلمة أضاءوا |
وقول أبي نواس :
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشّفت |
له عن عدوّ في ثياب صديق |
وهذا معنى واسع لحسن المقطع ، لأنّ حسن الانتهاء أو الخاتمة تخص الرسالة او الخطبة او القصيدة ، ولكن العسكري في هذا القسم يدخل نهاية أي كلام سواء أكان عبارة أم بيت شعر ، ويضم الفاصلة والقافية الى هذا النوع.
حسن النّسق :
هو التنسيق أو تنسيق الصفات او التمزيج (٣).
الحشو :
حشا : ملا ، واسم ذلك الشيء الحشو على لفظ المصدر ، وقد سمّي القطن «الحشو» لانه يحتى به الفرش وغيرها (٤).
سمّاه قوم «الاتّكاء» (٥) ، وقد تقدّم ، قال قدامة : «هو أن يحشى البيت بلفظ لا يحتاج اليه لاقافة الوزن» (٦) ، كقول أبي عدي القرشي :
نحن الرؤوس وما الرؤوس إذا سمت |
في المجد للأقوام كالأذناب |
فقوله : «للاقوام» حشو.
ونقل المرزباني كلام قدامة ومثاله (٧) ، وقال الحاتمي «وهذا باب لطيف جدا لا يتيقظ له إلا من كان متوقد القريحة متباصر الآلة ، طبا بمجاري الكلام عارفا بأسرار الشعر ، متصرفا في معرفة أفانينه» (٨).
وذكر العسكري ثلاثة أضرب للحشو : اثنان منها مذمومان وواحد محمود ، فأحد المذمومين أن يدخل في الكلام لفظ لو سقط لكان الكلام تاما مثل قول الشاعر :
أنعى فتى لم تذرّ الشّمس طالعة |
يوما من الدهر إلا ضرّ أو نفعا |
فقوله : «يوما من الدهر» حشو لا يحتاج اليه لأنّ الشمس لا تطلع ليلا.
والضرب الثاني : العبارة عن المعنى بكلام طويل لا فائدة في طوله ويمكن أن يعبّر عنه بأقصر منه كقول النابغة :
__________________
(١) النجم ٤٣ ـ ٤٥.
(٢) الضحى ٤ ـ ٥.
(٣) حدائق السحر ص ١٥٠ ، نهاية الايجاز ص ١١٣ ، تحرير التحبير ص ٤٢٥ ، بديع القرآن ص ١٦٤ ، جوهر الكنز ص ١٥٤ ، ٢٩٧ ، الفوائد ص ١٩١ ، خزانة الادب ص ٤١٥ ، الاتقان ج ٢ ص ٩٢ ، أنوار الربيع ج ٦ ص ١٣٢ ، نفحات ص ٢٠٤ ، شرح الكافية ص ٢٤٩.
(٤) اللسان (حشا).
(٥) العمدة ج ٢ ص ٦٩.
(٦) نقد الشعر ص ٢٤٨.
(٧) الموشح ص ٣٦٥.
(٨) حلية المحاضرة ج ١ ص ١٩٠.