جنسا من أنواع الكلام ويحصر فيه الأنواع المستغرقة لنوع ذلك الجنس حتى يبالغ فيه» (١).
ونقل الحموي تعريف المصري وأمثلته (٢) ، وقال السيوطي : «وهو نوع غريب صعب المسلك اخترعه ابن أبي الاصبع المصري وهو شبيه بالمبالغة ذكرته عقبها ، وذلك أن يأتي المتكلم الى نوع فيجعله جنسا تعظيما له ويجعل الجزئيات كلها منحصرة فيه» (٣).
كقول الصفي :
فرد هو العالم الكليّ في شرف |
ونفسه الجوهر القدسيّ في العظم |
ومن الحديث «الدعاء هو العبادة».
ونقل المدني كلام المصري وأمثلته وأضاف اليها بعض الأمثلة (٤).
الحقيقة :
حقّ الأمر يحق : صار حقا وثبت ، وحقّ عليه القول وأحققته أنا ، وحقّه وحققه. صدّقه. وحقق الرجل اذا قال هذا الشيء هو الحق (٥).
والحقيقة «فعيلة» بمعنى «مفعولة» ، واشتقاقها من «حقق الشيء إذا أثبته ، ولذلك فهي دلالة اللفظ على المعنى الموضوع له في أصل اللغة ، وقد أشار الجاحظ اليها بقوله : «ويذكرون نارا أخرى وهي على طريق المثل لا على طريق الحقيقة» (٦).
وتقرن الحقيقة في البحث بالمجاز ، وقد قال ابن تيمية إنّ تقسيم الكلام اليهما «اصطلاح حادث بعد انقضاء القرون الاولى لم يتكلم به أحد من الصحابة ولا التابعين لهم باحسان ولا أحد من الائمة المشهورين في العلم ... وأوّل من عرف أنّه تكلم بلفظ المجاز أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه ، ولكن لم يعن بالمجاز ما هو قسيم الحقيقة وإنما عنى بمجاز الآية ما يعبّر به عن الآية» (٧) ، ثم قال : «فإنّ تقسيم الالفاظ الى حقيقة ومجاز إنّما اشتهر في المائة الرابعة وظهرت أوائله في المائة الثالثة وما علمته موجودا في المائة الثانية اللهم إلا أن يكون في أواخرها» (٨). ولعله يريد بذلك أنّ البحث في الحقيقة والمجاز لم يبدأ إلا في ذلك العهد الذي حدّده ، أما الفرق بينهما في التعبير أو في البحث فهو أسبق من ذلك ، كما يتضح من الاخبار ، وما يتجلى من كلام أبي عبيدة والجاحظ وغيرهما من المتقدمين.
وقد بدأ البحث في الحقيقة يظهر من القرن الثالث ولكن الذين جاءوا بعده كانوا أكثر عمقا في التحديد ، فابن جني يقول : «الحقيقة ما أقرّ في الاستعمال على أصل وضعه في اللغة» (٩).
وقال ابن فارس : «فالحقيقة الكلام الموضوع موضعه الذي ليس باستعارة ولا تمثيل ولا تقديم ولا تأخير» (١٠).
وقال عبد القاهر : «كل كلمة أريد بها ما وقعت له في وضع واضع ، وإن شئت قلت في مواضعة وقوعا لا تستند فيه الى غيره فهي حقيقة. وهذه العبارة تنتظم الوضع الأول وما تأخر عنه كلغة تحدث في قبيلة من العرب أو في جميع العرب أو في جميع الناس مثلا أو تحدث اليوم. ويدخل فيها الأعلام منقولة كانت كزيد وعمرو أو مرتجلة كغطفان ، وكل كلمة استؤنف لها على الجملة مواضعة أو ادعي الاستئناف فيها» (١١).
وهذا تعريفها في المفرد ، أما حدّها في الجملة فهي :
__________________
(١) جوهر الكنز ص ٢٣٠.
(٢) خزانة الأدب ص ٣٧١.
(٣) أنوار الربيع ج ٥ ص ١٤٤ ، نفحات الأزهار ص ١٤٦ ، شرح الكافية ص ٢٤٣.
(٤) أنوار الربيع ج ٥ ص ١٤٤.
(٥) اللسان (حقق).
(٦) الحيوان ج ٥ ص ١٣٣ ، ١٣٤.
(٧) الايمان ص ٨٤.
(٨) الايمان ص ٨٥.
(٩) الخصائص ج ٢ ص ٤٤٢.
(١٠) الصاحبي ص ١٩٧.
(١١) أسرار البلاغة ص ٣٢٤.