«كل جملة وضعتها على أنّ الحكم المفاد بها على ما هو عليه في العقل وواقع منه فهي حقيقة ، ولن تكون كذلك حتى تعرى من التأول ، ولا فصل بين أن تكون مصيبا فيما أفدت به من الحكم او مخطئا وصادقا أو غير صادق» (١). وتابعه ابن قيم الجوزية في هذا التعريف ونقل كلامه (٢).
وقال ابن الأثير : «فأما الحقيقة فهي اللفظ الدالّ على موضوعه الاصلي» (٣).
وقال السكاكي : «فالحقيقة هي الكلمة المستعملة فيما هي موضوعة له من غير تأويل في الوضع كاستعمال الأسد في الهيكل المخصوص. فلفظ «الأسد» موضوع له بالتحقيق ولا تأويل فيه». ثم قال : «ولك أن تقول : الحقيقة هي الكلمة المستعملة فيما تدلّ عليه بنفسها دلالة ظاهرة كاستعمال الأسد في الهيكل المخصوص» (٤).
وقال القزويني : «الحقيقة : الكلمة المستعملة فيما وضعت له في اصطلاح به التخاطب» (٥) ، وتبعه في ذلك شراح التلخيص (٦) ، وذكر العلوي أنّ أجمع تعريف في بيانها ما ذكره أبو الحسين البصري فانه قال : «ما أفاد معنى مصطلحا عليه في الوضع الذي وقع فيه التخاطب» (٧).
ولا يخرج تعريف الآخرين عما سبق (٨).
والحقيقة ثلاثة أقسام هي : الشرعية والعرفية واللغوية.
الحقيقة الشّرعيّة :
هي اللفظة التي يستفاد من جهة الشرع وضعها لمعنى غير ما كانت تدل عليه في أصل وضعها اللغوي (٩).
وهي قسمان :
الأوّل : أسماء شرعية ، وهي التي لا تفيد مدحا أو ذما نحو «الصلاة» و «الزكاة» و «الحج» وسائر الاسماء الشرعية.
الثاني : أسماء دينية ، وهي التي تفيد مدحا أو ذما نحو «مسلم» و «مؤمن» و «كافر» و «فاسق».
الحقيقة العرفيّة :
هي التي نقلت من مسماها اللغويّ الى غيره بعرف الاستعمال. وذلك الاستعمال قد يكون عاما ، وقد يكون خاصا (١٠).
وتنحصر الحقيقة العرفية في صورتين :
الأولى : أن يشتهر استعمال المجاز بحيث يكون استعمال الحقيقة مستنكرا كحذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه مثل : «حرّمت الخمر» والتحريم مضاف الى الخمر ، وهو في الحقيقة مضاف الى الشرب ، وقد صار هذا المجاز أعرف من الحقيقة وأسبق الى الفهم ، ومنه تسمية الشيء باسم ما يشابهه كتسميتهم حكاية كلام المتكلم بأنّه كلامه كما يقال
__________________
(١) أسرار البلاغة ص ٣٥٥.
(٢) الفوائد ص ١٠.
(٣) المثل السائر ج ١ ص ٥٨ ، الجامع الكبير ص ٢٨.
(٤) مفتاح العلوم ص ١٦٩ ـ ١٧٠.
(٥) الايضاح ص ٢٦٥ ، التلخيص ص ٢٩٢.
(٦) شروح التلخيص ج ٤ ص ٤ ، المطول ص ٣٤٨ ، الاطول ج ٢ ص ١١١ وينظر الروض المريع ص ٨٢ ، ١١٩ ، ١٦٢.
(٧) الطراز ج ١ ص ٤٧.
(٨) نهاية الايجاز ص ٤٦ ، البرهان الكاشف ص ٩٨ ، نضرة الاغريض ص ٢٣ ، منهاج البلغاء ص ٩ ، ١٥ ، حسن التوسل ص ١٠٤ ، نهاية الارب ج ٧ ص ٣٧ ، جوهر الكنز ص ٥١. الاتقان ج ٢ ص ٣٦ ، شرح عقود الجمان ص ٩١.
(٩) مفتاح العلوم ص ١٧٠ ، البرهان الكاشف ص ٩٩ ، الطراز ج ١ ص ٥٥ ، جوهر الكنز ص ٥١ ، الايضاح ص ٢٦٥ ، التلخيص ص ٢٩٢ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٢ ، المطول ص ٣٤٨ ، الاطول ج ٢ ص ١١١.
(١٠) المصادر السابقة.