لمن أنشد قصيدة لامرىء القيس بانه كلام امرىء القيس ، لأنّ كلامه في الحقيقة هو ما نطق به وأما حكايته فكلام غيره لكنه قد صار حقيقة لسبقه الى الافهام بخلاف الحقيقة ، وكتسميتهم الشيء باسم ما يتعلق به كتسميتهم قضاء الحاجة بالغائط وهو المكان المطمئن من الارض فاذا اطلق فان السابق الى الفهم منه مجازه وهو قضاء الحاجة دون حقيقته وهو المكان المطمئن. فصارت هذه الامور المجازية حقائق بالتعريف من جهة أهل اللغة تسبق الى الافهام معانيها دون حقائقها الوضعية اللغوية.
الثانية : قصر الاسم على بعض مسمياته وتخصيصه به نحو لفظ «الدابة» فإنّها جارية في وضعها اللغوي على كل ما يدبّ من الحيوانات من الدودة الى الفيل ثم إنّها اختصت ببعض البهائم. ومنه لفظة «الجن» فإنّها موضوعة لكل ما استتر ثم اختصت ببعض من يستتر عن العيون ، و «القارورة» فانها موضوعة لمقر المائعات ثم اختصت ببعض الآنية دون غيرها مما يستقر فيه.
والحقيقة العرفية الخاصة هي التي وضعها أهل عرف خاص وجرت على ألسنة العلماء من الاصطلاحات التي تخص كل علم ، فانها في استعمالها حقائق وإن خالفت الأوضاع اللغوية نحو ما يجريه النحويون في كتبهم من الرفع والنصب والجر والجزم ، وما يجريه أهل الحرف والصناعات والعلوم فيما يفهمونه بينهم.
الحقيقة اللّغويّة :
هي ما وضعها واضع اللغة ودلّت على معان مصطلح عليها في تلك المواضعة كألفاظ القلم والكتاب والشمس والقمر ، فاذا استعملت في معناها الأصلي فانها تكون حقيقة ، واذا استعملت في غيره فانها تكون مجازا» (١). والحقيقة اللغوية هي أساس اللغة ، اما الحقيقة الشرعية والحقيقة العرفية فهما نقل لها الى معان جديدة يصطلح عليها الناس.
الحلّ :
حلّ العقدة يحلّها حلا : فتحها ونقضها فانحلت ، والحلّ : حلّ العقدة (٢).
الحلّ من أساليب الكتابة المعروفة منذ القديم ، وقد أشار العتابي اليها ، سئل يوما : «بماذا قدرت على البلاغة؟» فقال : «بحل معقود الكلام ، فالشعر رسائل معقودة والرسائل شعر محلول» (٣).
وبحث ابن منقذ «الحل والعقد» في باب واحد وقال : «إنّ الحلّ والعقد هو ما يتفاضل فيه الشعراء والكتاب ، وهو أن يأخذ لفظا منثورا فينظمه أو شعرا فينثره ويطارحه العلماء فيما بينهم» (٤).
وفعل مثله ابن الأثير الحلبي وابن قيّم الجوزيّة إذ جمعا الحلّ والعقد في باب واحد (٥) ، وتحدّث العسكري عنه في «حسن الأخذ» وقال : «إنّ المحلول من الشعر على أربعة اضرب : فضرب منها يكون بإدخال لفظة بين ألفاظه ، وضرب ينحلّ بتأخير لفظة منه وتقديم أخرى فيحسن محلوله ويستقيم وضرب منه ينحلّ على هذا الوجه ولا يحسن ولا يستقيم ، وضرب تكسو ما تحلّه من المعاني ألفاظا من عندك ، وهذا ارفع درجاتك» (٦).
فأمّا الضرب الأوّل فكقول قليب المعتزلي لبعض الملوك يستعطفه على رجل من أهله : «جعلني الله فداءك ، وليس هو اليوم كما كان ، إنّه وحياتك أفلت بطالته أي والله وراجعه حلمه وأعقبه ـ وحقّك ـ الهوى ندما ، أنحى الدهر ـ والله ـ عليه بكلكله فهو اليوم إذا
__________________
(١) المصادر السابقة.
(٢) اللسان (حلل).
(٣) عيار الشعر ص ٧٨.
(٤) البديع في نقد الشعر ص ٢٥٩.
(٥) جوهر الكنز ص ١٩٥ ، الفوائد ص ٢٢٥.
(٦) كتاب الصناعتين ص ٢١٦ ـ ٢١٧.