الْعُلَماءُ)(١). واذا قلت : «انما ضرب زيد عمرا» فالاختصاص في المضروب. واذا قلت : «إنما هذا لك» فالاختصاص في «لك» بدليل انك تقول بعده : «لا لغيرك». واذا قلت : «إنما لك هذا» فالاختصاص في «هذا» بدليل انك تقول بعده «لا ذاك» قال الله تعالى : (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ)(٢) فاذا وقع بعدها الفعل فالمعنى أنّ ذلك الفعل لا يصحّ إلا من المذكور كقوله تعالى : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ)(٣).
وقد يجمع معها حرف النفي إمّا متأخرا كقولك : «إنما جاءني زيد لا عمرو» وإما متقدما كقولك : «ما جاءني زيد وإنما جاءني عمرو» ، فهناك لو لم تدخل «إنما» كان الكلام مع من ظن أيهما جاءك ، وإن أدخلها كان الكلام مع من غلط في الجائي. ولو قلت : «إنّ عمرا جاءني» فان كانت المستغنى عنها فظهرت فائدة دخول «ما» على «إنّ» في «إنما» (٤).
الاختلاس :
الخلس : الأخذ في نهزة ومخاتلة ، والاختلاس كالخلس ، وقيل إنه أوحى من الخلس وأخص.
وخلست الشيء واختلسته وتخلّسته اذا استلبته (٥).
والاختلاس من أنواع السرقات التي ذكرها الأوائل كالقاضي الجرجاني الذي قال : «ولست تعدّ من جهابذة الكلام ونقاد الشعر حتى تميز بين أصنافه وأقسامه وتحيط علما برتبه ومنازله فتفصل بين السرق والغصب ، وبين الاغارة والاختلاس» (٦).
ولم يذكر الفرق بين الاغارة والاختلاس. وذكر ابن رشيق الاختلاس ولم يحدده واكتفى بذكر أمثلة له ، ومن ذلك قول أبي نواس :
ملك تصوّر في القلوب مثاله |
فكأنه لم يخل منه مكان |
اختلسه من قول كثيّر :
أريد لأنسى ذكرها فكأنّما |
تمثّل لي ليلى بكل سبيل (٧) |
وهذا غير الاغارة التي حدّدها بقوله : «الاغارة أن يصنع الشاعر بيتا ويخترع معنى مليحا فيتناوله من هو أعظم منه ذكرا وأبعد صوتا فيروى له دون قائله» (٨) ومعنى ذلك أنّ الاختلاس هو التأثر ، أما الاغارة فهي السلب والادعاء.
اختلاف صيغ الألفاظ واتّفاقها :
عدّ ابن الاثير اختلاف صيغ الالفاظ واتفاقها النوع السادس من الصناعة اللفظية «الالفاظ المركبة» وقال : وهو من هذه الصناعة بمنزلة عليّة ومكانة شريفة ، وجلّ الألفاظ منوطة به.
ولقد لقيت جماعة من مدعي فن الصناعة وفاوضتهم وفاوضوني وسألتهم وسألوني فما وجدت أحدا منهم تيقّن معرفة هذا الموضوع كما ينبغي ، وقد استخرجت فيه أشياء لم أسبق اليها» (٩). ومن ذلك أنّ الألفاظ اذا نقلت من هيئة الى هيئة انتقل قبحها فصار حسنا وحسنها فصار قبحا. مثل لفظة «خود» فانها المرأة الناعمة ، واذا نقلت الى صيغة الفعل قيل «خوّد» ومعناها أسرع. فهي على صيغة الاسم جميلة رائعة ، وليست حسنة اذا جاءت فعلا كما في قول أبي تمام :
__________________
(١) فاطر ٢٨.
(٢) الرعد ٤٠.
(٣) الرعد ١٩.
(٤) الفوائد ص ١٥٢ وما بعدها.
(٥) اللسان (خلس).
(٦) الوساطة ص ١٨٣.
(٧) العمدة ج ٢ ص ٢٨٧.
(٨) العمدة ج ٢ ص ٢٨٤.
(٩) المثل السائر ج ١ ص ٢٨١ ، الجامع الكبير ص ٢٧١.