الدال
الدّلالة :
دلّ يدلّ ، اذا هدى ، ودلّه على الشيء يدلّه دلا ودلالة : سدّده إليه (١) قال الشريف الجرجاني : «الدّلالة هي كون الشيء بحالة يلزم من العلم به العلم بشيء آخر والشيء الأوّل هو الدالّ والثاني هو المدلول. وكيفية دلالة اللفظ على المعنى باصطلاح علماء الأصول محصورة في عبارة النصّ وإشارة النصّ ودلالة النصّ واقتضاء النصّ. ووجه ضبطه أن الحكم المستفاد من النّظم إمّا أن يكون ثابتا بنفس النظم أو لا والأوّل إن كان النظم مسوقا إليه فهو العبارة وإلّا فالإشارة ، والثاني إن كان الحكم مفهوما من اللفظ لغة فهو الدّلالة أو شرعا فهو الاقتضاء. فدلالة النصّ عبارة عما ثبت بمعنى النص لغة لا اجتهادا. فقوله : «لغة» أي يعرفه كل من يعرف هذا اللسان بمجرّد سماع اللفظ من غير تأمّل كالنهي عن التأفيف في قوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ)(٢) يوقف به على حرمة الضّرب وغيره مما فيه نوع من الأذى بدون الاجتهاد» (٣).
وتحدّث الجاحظ عن أصناف الدّلالات فقال : «وجميع أصناف الدّلالات على المعاني من لفظ وغير لفظ خمسة أشياء لا تنقص ولا تزيد : أوّلها اللفظ ثم الإشارة ، ثم العقد ، ثم الخط ، ثم الحال التي تسمى نصبة ، والنّصبة هي الحال الدّالة التي تقوم مقام الأصناف ولا تقصّر عن تلك الدّلالات.
ولكل واحد من هذه الخمسة صورة بائنة من صورة صاحبتها وحلية مخالفة لحلية أختها وهي التي تكشف لك عن أعيان المعاني في الجملة ثم عن حقائقها في التفسير وعن أجناسها وأقدارها وعن خاصّها وعامّها وعن طبقاتها في السارّ والضارّ وعما يكون منها لغوا بهرجا وساقطا مطّرحا» (٤)
وتحدّث ابن وهب عن وجوه البيان ولم يخرج على دلالات الجاحظ ، قال : «البيان على أربعة أوجه : فمنه بيان الأشياء بذواتها وإن لم تبن بلغاتها ومنه البيان الذي يحصل في القلب عند إعمال الفكر واللب ومنه البيان باللسان ومنه البيان بالكتاب وهو الذي يبلغ من بعد أو غاب» (٥). وهذا الكلام قريب من كلام الجاحظ فإنّ النّصبة عنده هي بيان الاعتبار ويدخل فيها بيان الاعتقاد أيضا لأنّه ثمرة بيان الاعتبار ونتيجته في القلب ، ودلالة اللفظ عند الجاحظ هي البيان الثالث ، ودلالة الخط هي البيان الرابع.
وبدأ مبحث الدلالة يدخل في البلاغة ويقسّم علم البيان بمقتضاه ، ومن أقدم البلاغيين الذين اهتموا بذلك الرازي ، فقد عقد فصولا للكلام على دلالة اللفظ على المعنى ، وقسّم الدلالة إلى وضعية وعقلية (٦). وقرر السّكّاكي أنّ «صاحب علم البيان له
__________________
(١) اللسان (دلل).
(٢) الاسراء ٢٣.
(٣) التعريفات ص ٩٣.
(٤) البيان ج ١ ص ٧٦.
(٥) البرهان في وجوه البيان ص ٦٠.
(٦) نهاية الايجاز ص ٨ وما بعدها.