لانت معاطفه فخيّل أنّه |
للخيزران مناسب بعظامه |
|
إن كنت تنكر ما أقول فجاره |
أو باره أو سامه أو هامه (١) |
والرجع المفرق : هو كل كلمتين جاءنا في الكلام المنثور تضمن احداهما من الحروف ما تضمنته الاخرى بغير زيادة ولا نقصان إلا انه على غير بنية ولا ترتيب كما كان في الرجع المجتمع ولكن قد يتقدم بعض الحروف على بعض وهو من أحسن أوضاع الكتابة كقولك : «فلان أرفع القوم عمادا وأفرعهم معادا وأصدقهم ميعادا». ومنه قول الشاعر :
شواجر أرماح تقطّع بينهم |
شواجر أرحام ملوم قطوعها (٢) |
وهذا هو الجناس ، فالرجع المجتمع عند ابن الاثير في القسم الثاني من المشبه بالتجنيس وهو «أن تكون الالفاظ متساوية في الوزن مختلفة في التركيب بحرف واحد لا غير وإن زاد على ذلك خرج من باب التجنيس» (٣).
والرجع المفرق عند ابن رشيق من جناس المضارعة وهو : «أن تتقدم الحروف وتتأخر» (٤) كقول أبي تمام :
بيض الصفائح لا سود الصحائف في |
متونهنّ جلاء الشّكّ والريب |
وقول البحتري : «شواجر أرماح ...»
الرّجوع :
الرجوع هو الانصراف والعودة ، وقد ذكر الباقلاني أنّ أبا عبيدة كان يقول عن امرئ القيس في بيته :
وإنّ شفائي عبرة مهراقة |
فهل عند رسم دارس من معوّل |
إنّه رجع فاكذب نفسه كما قال زهير :
قف بالديار التي لم يعفها القدم |
بلى وغيّرها الأرواح والديم (٥) |
وقال الباقلّاني قبل ذلك إنّ منهم من لا يعدّ الاعتراض والرجوع من البديع وذكر البيتين (٦).
والرجوع هو الفن الثالث من محاسن الكلام عند ابن المعتزّ ، وهو «أن يقول شيئا ويرجع عنه» (٧). كقول بشار :
نبّئت فاضح أمّه يغتابني |
عند الأمير وهل عليك أمير؟ |
وقول يزيد بن الطثرية :
أليس قليلا إن نظرتها |
اليك وكلا ليس منك قليل |
وعرّفه العسكري بمثل كلام ابن المعتزّ (٨) ، وقرنه ابن منقذ بالاستثناء وقال : إنّ الرجوع والاستثناء هو أن تذكر شيئا ثم ترجع عنه» (٩) ، وذكر بيت ابن عشرية.
وقال الحلبي والنويري : «هو أن يعود المتكلم إلى كلامه السابق بالنقض لنكتة» (١٠). وقد قال السيوطي عن هذه النكتة تعليقا على بيت زهير : «قف بالديار.» : «والنكتة في أنّه يبين برجوعه دهش عقله عند رؤية ديار أحبته فلم يعرف ما يقول وتوهّم ما ليس بصحيح فلما راجعه عقله رجع بالنقض عن
__________________
(١) الأمر من باراه وساماه وهاماه للمغالبة بالمباراة والسمو والهمي.
(٢) معالم الكتابة ص ٧٠ ـ ٧١. الشواجر جمع شاجر وشاجرة بمعنى القاطع.
(٣) المثل السائر ج ١ ص ٢٥٤ ، الجامع الكبير ص ٢٦٠.
(٤) العمدة ج ١ ص ٣٢٥.
(٥) إعجاز القرآن ص ٢٤٥.
(٦) اعجاز القرآن ص ١٥٣.
(٧) البديع ص ٦٠ ، وينظر الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ١٨.
(٨) كتاب الصناعتين ص ٣٩٥.
(٩) البديع في نقد الشعر ص ١٢٠.
(١٠) حسن التوسل ص ٢٦٩ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٤٤.