موحّدا وحّده ، وما يجد الحسن منها مجموعا جمعه ، وكذلك يجري الحكم فيما سوى ذلك من الألفاظ» (١).
اختلاف صيغ الكلام :
يعمد الأديب الى صيغ مختلفة من الكلام لئلا يتكرر فيثقل وتمجه الاسماع ، قال التنوخي : «واذا تكرر واختلف المعنى وكان في الكلام دليل على معنى كل واحد من المتكررين فهو التجنيس ، وهو مما يستحسن ولا يتجنب ، فان لم يكن في الكلام ما يفي بتبيين المعنيين والحاق كل واحد منهما بلفظه فذلك مما ينبغي أن يتجنب ولا يؤتى لكونه مخلا بالبيان. فاجتناب هذا النوع من قواعد علم البيان واجتناب الأول من باب البديع الذي هو من محاسن الألفاظ» (٢).
مثال الأول قول ابراهيم بن سيّار للفضل بن الربيع :
هبني أسأت وما أسأت وما أسأ |
ت أقرّ كي يزداد طولك طولا |
ومثال الثاني وهو مبين في الكلام قول الشاعر :
لعمري لقد حبّبت كلّ قصيرة |
اليّ وإن لم تدر ذاك القصائر |
|
عنيت قصيرات الحجال ولم أرد |
قصار الخطى شرّ النساء البحاتر (٣) |
فلو اقتصر على البيت الأول لكان معيبا لاحتماله القصر والقصر. والقبيح قول كشاجم في المديح :
عمرته بفتية صباح |
سمح بأعراضهم شحاح |
لأنّ الباء في قوله «بأعراضهم» يجوز أن تتعلق بـ «سمح» فيكون هجوا ، ويجوز أن تتعلق بـ «شحاح» فيكون مدحا ، فهو ملبس بين المدح والهجو ، وليس في البيت ما يعيّن أحدهما.
الأخذ :
الأخذ والسرقة من الموضوعات الأولى التي تحدث عنها البلاغيون (٤) ، وهما أنواع كثيرة سيرد ذكرها في هذا المعجم.
اخراج الكلام مخرج الشّكّ :
عقد الزركشي بابا في «اخراج الكلام مخرج الشك في اللفظ دون الحقيقة لضرب من المسامحة وحسم العناد» (٥). وضرب له مثلا بقوله تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٦) ، وهو يعلم أنّه على الهدى وأنّهم على الضلال لكنه أخرج الكلام مخرج الشك تقاضيا ومسامحة ، ولا شك عنده ولا ارتياب.
وقوله : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ)(٧) ، وقوله : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ)(٨). أورده على طريق الاستفهام ، والمعنى : هل يتوقع منكم إن توليتم أمور الناس وتأمّرتم عليهم لما تبين لكم من المشاهد ولاح منكم في المخايل (أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) تهالكا على الدنيا.
وإنما أورد الكلام في الآية على طريق سوق غير المعلوم سياق غيره ، ليؤديهم التأمل في التوقع عمن يتصف بذلك الى ما يجب أن يكون مسببا عنه من أولئك الذين أصمّهم الله وأعمى أبصارهم ، فيلزمهم به
__________________
(١) المثل السائر ج ١ ص ٢٩١ ـ ٢٩٢.
(٢) الأقصى القريب ص ١١٨.
(٣) البحتر والبحتري ؛ القصير المجتمع الخلق.
(٤) ينظر أسرار البلاغة ص ٣١٣ ، الطراز ج ٣ ص ٢٠١ ، شرح عقود الجمان ص ١٦٣.
(٥) البرهان ج ٣ ص ٤٠٩.
(٦) سبأ ٢٤.
(٧) الزخرف ٨١.
(٨) محمد ٢٢.