هذا لم تكن معدودة في علم البديع (١).
واختار العلوي الأوّل وهو عدّها من جملة أصناف البديع وأكّد هذا بقوله : «والبرهان القاطع على ما ذكرناه هو أنّ علم البديع أمر عارض لتأليف الالفاظ وصوغها وتنزيلها على هيئة تعجب الناظر وتشوق القلب والخاطر ، وهذا موجود في السرقات الشعرية ، فانّ الشاعرين المفلقين يأخذ كل واحد منهما معنى صاحبه ويصوغه على خلاف تلك الصياغة ويقلبه على قالب آخر ، فإما زاد عليه وإما نقص عنه. وكل ذلك إنّما هو خوض في تأليف الكلام ونظمه وإذن الأخلق عدّها منه لما ذكرناه بل هي أخلق بذلك ، لأنا اذا عددنا الطباق والتجنيس والترصيع والتصريع من علوم البديع مع أنّها إنما اختصت بما اختصت به من التأليف وتنزيلها على تلك الهيئات من لسان واحد فكيف حالها اذا كانت مختصة بما ذكرناه من لسانين على هيئتين مختلفتين» (٢).
وقد تحدّث القزويني عن أنواع السرقات وتبعه في ذلك شراح التلخيص (٣) والسرقات أنواع كثيرة منها الانتحال والنسخ والمسخ والاغارة والالمام والسلخ والنقل والفلب وغيرها ، وفي هذا المعجم كثير من هذه الأنواع وقد أشير الى انها من الأخذ او السرقة (٤).
ولم يقف القزويني عند هذه الالوان وانما تحدث عما يتصل بالسرقة من الاقتباس والتضمين والعقد والحل والتلميح (٥) ، ولهذه الانواع حديث في هذا المعجم أيضا.
سلامة الابتداع :
السّلام والسلامة البراءة ، وتسلّم منه : تبرأ ، والسّلام العافية (٦). قال ابن الاثير الحلبي : «حقيقة هذا الباب أن يبتدع الشاعر معنى لم يسبق اليه ولم يتبع فيه» (٧). مثال ذلك قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ، ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)(٨). فقد ذكر ضعف الذباب الذي هو أقل المخلوقات سلبا لما يسلبه وعجز جميع الخلق عن القدرة على خلق مثله.
ومن هذا الباب قول عنترة :
وخلا الذباب به فليس ببارح |
غردا كفعل الشارب المترنّم |
|
هزجا يحكّ جناحه بجناحه |
قدح المكبّ على الزناد الأجذم |
فعنترة ابتدع معنى لم يسبق اليه ولم يشبهه أحد فيه.
وسمّاه المصري «سلامة الاختراع من الاتباع» وقال : «هو أن يخترع الاول معنى لم يسبق اليه ولم يتبع فيه» (٩) ، وهذا ما نقله ابن الاثير الحلبي وإن غيّر التسمية فقال : «سلامة الابتداع من الاتباع». وتبع المصري في التسمية الحلبي والنويري والسبكي والحموي والسيوطي والمدني (١٠).
__________________
(١) الطراز ج ٣ ص ١٨٩.
(٢) الطراز ج ٣ ص ١٨٩ ـ ١٩٠.
(٣) شروح التلخيص ج ٤ ص ٤٧٤ ، المطول ص ٤٦٢ ، الاطول ج ٢ ص ٢٤٢.
(٤) فحولة الشعراء ص ٣٨ ، الحيوان ج ٣ ص ٣١١ ، الكامل ج ١ ص ١٠٠ ، الموازنة ج ١ ص ٥٢ ، الوساطة ص ١٨٣ ، العمدة ج ٢ ص ٢٨٠ ، أسرار البلاغة ص ٢٤١ ، دلائل الإعجاز ص ٣٦٠ ، الاستدراك ص ٦١ ، نضرة الاغريض ص ٢٠٣ ، الأقصى القريب ص ١٠٧ ، منهاج البلغاء ص ١٩٤ ، ١٩٦ ، الطراز ج ٣ ص ١٨٨ ، شرح عقود الجمان ص ١٦٢.
(٥) الايضاح ص ٤١٦ ، التلخيص ص ٤٢٢.
(٦) اللسان (سلم).
(٧) جوهر الكنز ص ١٥٩.
(٨) الحج ٧٣.
(٩) تحرير التحبير ص ٤٧١ ، بديع القرآن ص ٢٠٠.
(١٠) حسن التوسل ص ٢٩٦ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٦٤ ، عروس الافراح ج ٤ ص ٤٦٩ ، خزانة ص ٤٠٤ ، شرح عقود الجمان ص ١٦٣ ، أنوار الربيع ج ٦ ص ٢٠٤ ، نفحات ص ١٧٤ ، شرح الكافية ص ٢١٩.