على ألطف وجه إبقاء عليهم من أن يفاجئهم به وتأليفا لقلوبهم ، ولذلك التفت عن الخطاب الى الغيبة تفاديا عن مواجهتهم بذلك.
وقد يخرج الواجب في صورة الممكن كقوله تعالى : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً ، مَحْمُوداً)(١).
وقد يخرج الاطلاق في صورة التقييد كقوله : (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ)(٢).
الإخلال :
الاخلال من أخلّ بالشيء أي : أجحف ، وأخلّ بالمكان وبمركزه وغيره : غاب عنه وتركه ، وأخلّ به : لم يف به (٣).
والاخلال من عيوب ائتلاف اللفظ والمعنى ، وقد عرّفه قدامة بقوله : «هو أن يترك من اللفظ ما يتم به المعنى» (٤). ومن عيوب ائتلاف اللفظ والمعنى أيضا : «أن يزيد في اللفظ ما يفسد به المعنى» (٥).
ومن الأول قول الحارث بن حلّزة :
والعيش خير في ظلا |
ل النّوك ممن عاش كدّا |
أراد أن يقول : «والعيش خير في ظلال النوك من العيش بكد في ظلال العقل» فترك شيئا كثيرا.
ومثال الثاني قول بعضهم :
فما نطفة من ماء نحض عذيبة |
تمنّع من أيدي الرقاة ترومها |
|
بأطيب من فيها لوانك ذقته |
إذا ليلة أسجت وغارت نجومها (٦) |
وسمّى البغدادي هذا الموضوع «الاخلال بالافادة».
أداة التّشبيه :
أداة التشبيه هي اللفظة التي تدل على المماثلة والمشاركة ، وقد أشار اليها القدماء وعدّوها أساسا في اظهار صور التشبيه فقال سيبويه عن «الكاف» انها «تجيء للتشبيه» (٧) ، وقال المبرد مثل ذلك (٨).
وسمّاها السكاكي «كلمة التشبيه» (٩) غير أنّ القزويني وشرّاح تلخيصه سموها «أداة التشبيه» (١٠) وهو ما سار عليه المتأخرون.
وأداة التشبيه ثلاثة أنواع :
الأول ـ أسماء : ومنها : مثل ، وشبه ، وشبيه ، ومثل.
الثاني ـ أفعال : ومنها : حسب ، وظن ، وخال ، ويشبه ، وتشابه ، ويضارع.
الثالث ـ حرفان : وهما : كأنّ ، والكاف.
وقد تحذف الأداة فيسمى التشبيه مؤكدا كقول المتنبي :
بدت قمرا ومالت غصن بان |
وفاحت عنبرا ورنت غزالا |
وإذا ذكرت سمّي التشبيه مرسلا كقول المتنبي :
كالبدر من حيث التفتّ رأيته |
يهدي الى عينيك نورا ثاقبا |
|
كالشمس في كبد السماء وضوؤها |
يغشى البلاد مشارقا ومغاربا |
__________________
(١) الاسراء ٧٩.
(٢) الأعراف ٤٠.
(٣) اللسان (خلل).
(٤) نقد الشعر ص ٢٤٥ ، الموشح ص ٣٦٣ ، نضرة الاغريض ص ٤٢٧ ، قانون البلاغة ص ٤١٩.
(٥) نقد الشعر ص ٢٤٧ ، الموشح ص ٣٦٤ ، نضرة الاغريض ص ٤٢٨.
(٦) النطفة ؛ الماء الصافي قل أو كثر. أسجت ؛ سكنت.
(٧) الكتاب ج ٢ ص ١٧١.
(٨) المقتضب ج ٤ ص ١٤٠.
(٩) مفتاح العلوم ص ١٦٧.
(١٠) الايضاح ص ٢٣٥ ، التلخيص ص ٢٤٣ ، شروح التلخيص ج ٣ ص ٣٨٦ ، المطول ص ٣١١ ، الاطول ج ٢ ص ٦٥.