إذا نحن أثنينا عليك بصالح |
فأنت كما نثني وفوق الذي نثني |
|
وإن جرت الألفاظ يوما بمدحة |
لغيرك إنسانا فأنت الذي نعني |
ومن هذا الباب ما يقع في التشبيه والأخبار وتفسيرها بحيث يكون للمشبه أو المخبر عنه صفات فينفي بعضها ليثبت بعضها وينفي واحدة ليوجب اختها او يسلبها ويوجب غيرها كقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبيّ بعدي» فسلب النبوة ليوجب بقية المنازل التي كانت لهارون من موسى ـ عليهماالسلام ـ ومن ذلك قول الشاعر :
فصرت كأني يوسف بين إخوتي |
ولكن تعدّتني النبوّة والحسن |
فسلب نفسه هاتين الصفتين من صفات يوسف ـ عليهالسلام ـ ليثبت ما عداهما مما امتحن به يوسف من إخوته.
ولكنّ المصري حينما ألّف كتاب «بديع القرآن» لم ينسب «السلب والايجاب» الى نفسه ، وقد عرّفه بقوله : «هو بناء الكلام على نفي الشيء من جهة وإيجابه من جهة أخرى أو أمر بشيء من جهة ونهي عنه من غير تلك الجهة» (١). وهذا كتعريف العسكري ، وذكر له قوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ ...) (الإسراء ٢٣) شاهدا كما فعل السابق ايضا ، وبذلك نفى عن نفسه تهمة الكذب التي أشار اليها بعضهم كالمدني الذي قال : «هذا النوع زعم ابن أبي الاصبع أنّه من مستخرجاته وهو موجود في كتب القدماء الذين نقل عنهم ككتاب الصناعتين لأبي هلال العسكري وسر الفصاحة لابن سنان الخفاجي وبديع شرف الدين التيفاشي وذكره عز الدين الزنجاني في معيار النظار» (٢). ويبدو أنّ المدني لم يطلع على «بديع القرآن» أو على نسخة «تحرير التحبير» التي استدرك في احد هوامش صفحاتها ما ذكره.
وأرجع السّبكي السلب والايجاب الى الطباق بعد أن عرّفه كتعريف المصري في «بديع القرآن» (٣). ولم يخرج الحموي والسيوطي والمدني عما ذكره السابقون (٤).
السّلخ :
السلخ : كشط الإهاب ، سلخ يسلخ سلخا ، والسّلخ : ما سلخ عنه (٥).
والسلخ أحد أنواع السرقات وقد قال ابن الاثير هو : «أخذ بعض المعنى مأخوذا من سلخ الجلد الذي هو بعض الجسم المسلوخ» (٦). والسلخ عند القزويني الإلمام أيضا ، قال : «وإن كان المأخوذ المعنى وحده سمّي إلماما وسلخا» (٧) وهو ثلاثة أقسام :
الأول : كقول البحتري :
تصدّ حياء أن تراك بأوجه |
أتى الذنب عاصيها فليم مطيعها |
وقول المتنبي :
وجرم جرّه سفهاء قوم |
وحلّ بغير جارمه العذاب |
__________________
(١) بديع القرآن ص ١١٦.
(٢) أنوار الربيع ج ٥ ص ٢٨٠ ، وينظر خزانة الأدب ص ٣٦١.
(٣) عروس الافراح ج ٤ ص ٤٦٩ ، وينظر المنزع البديع ص ٣٣٤.
(٤) خزانة ص ٣٦١ ، شرح عقود الجمان ص ١١٢ ، أنوار الربيع ج ٥ ص ٢٨٠ ، نفحات ص ٣٠٥ ، شرح الكافية ص ٢٤٠.
(٥) اللسان (سلخ).
(٦) المثل السائر ج ٢ ص ٣٦٥ ، الجامع الكبير ص ٢٤٣.
(٧) الايضاح ص ٤٠٨ ، التلخيص ص ٤١٤ ، وينظر شروح التلخيص ج ٤ ص ٤٩٢ ، المطول ص ٤٦٦ ، الأطول ج ٢ ص ٢٤٦ ، التبيان في البيان ص ٣٦٣.