حذف الجواب الذي هو «كذبتم في زعمكم» وأقام قوله «لهم إلف وليس لكم إلاف» مقامه لدلالته عليه.
ويجوز أن يقدر قوله : «لهم إلف وليس لكم إلاف» جوابا لسؤال اقتضاه الجواب المحذوف ، كأنه لما قال المتكلم : «كذبتم» قالوا : «لم كذبنا؟» فقال : «لهم إلف وليس لكم إلاف» فيكون في البيت استئنافان.
وقد يحذف ولا يقام شيء مقامه كقوله تعالى : (نِعْمَ الْعَبْدُ*)(١) أي : أيوب أو هو ، لدلالة ما قبل الآية وما بعدها عليه. ونحوه قوله تعالى : (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ)(٢) أي : نحن (٣).
شبه كمال الانقطاع :
وهو أن تكون الجملة الثانية في الفصل بمنزلة المنقطعة عن الاولى ؛ لأنّ عطفها عليها موهم لعطفها على غيرها ويسمّى الفصل لذلك قطعا ، ومثاله قول الشاعر :
وتظنّ سلمى أنني أبغي بها |
بدلا أراها في الضّلال تهيم |
لم يعطف «أراها» على «تظن» لئلا يتوهم السامع أنّه معطوف على «أبغي» لقربه منه مع أنّه ليس بمراد ، ويحتمل الاستئناف.
وقسّم السكاكي القطع الى قسمين (٤) :
الأول : القطع للاحتياط وهو ما لم يكن لمانع من العطف كما في البيت : «وتظن سلمى ...».
الثاني : القطع للوجوب ، وهو ما كان لمانع كقوله تعالى : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)(٥) لأنّه لو عطف لعطف إما على جملة (قالُوا) وإما على جملة (إِنَّا مَعَكُمْ) وكلاهما لا يصحّ. وكذا قوله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ)(٦).
وللقزويني في ذلك نظر لجواز أن يكون المقطوع في المواضع الثلاثة معطوفا على الجملة المصدّرة بالظرف ، وهذا القسم لم يبين امتناعه (٧).
شجاعة العربيّة :
شجع شجاعة : اشتد عند البأس ، والشجاعة شدة القلب في البأس (٨).
شجاعة العربية هو الالتفات وقد تقدّم ، وكان ابن جني (٩) قد سماه كذلك وتبعه ابن الأثير وابن الأثير الحلبي (١٠) ، غير أنّهما عدّا الالتفات أحد أنواعه ، ومن ذلك أيضا عكس الظاهر ، وتأنيث المذكّر ، وتذكير المؤنّث ، وتصوّر معنى الواحد للجماعة ، ومعنى الجماعة للواحد ، وتقدّم المفعول على الفعل ، وتقديم الظروف على المظروف ، وتقديم الخبر على المبتدأ ، ونوع الاستفهام ، وتقديم الظلمات على النور ، والتقديم بالذات ، وتقديم السببية ، وتقديم الرتبة ، وتقديم الشرف ، وتقديم الأكثر على الأقل. ولكنّ هذه الموضوعات ـ ما عدا ـ الالتفات أدخلها البلاغيون في أبواب أخرى تتصل بها كالتقديم والتأخير والتغليب والاستفهام.
وقد ذكر ابن الأثير أنّ هذا الفن سمي «شجاعة العربية» لأنّ «الشجاعة هي الإقدام وذاك أنّ الرّجل
__________________
(١) سورة ص ٣٠ ، ٤٤.
(٢) الذاريات ٤٨.
(٣) دلائل الاعجاز ص ١٨١ ، الايضاح ص ١٥٥ ، التلخيص ص ١٨٦ ، شروح التلخيص ج ٣ ص ٥٢ ، المطول ص ٢٥٨ ، الأطول ج ٢ ص ١٤.
(٤) مفتاح العلوم ص ١٢١.
(٥) البقرة ١٥.
(٦) البقرة ١٢.
(٧) الايضاح ص ١٥٥ ، التلخيص ص ١٨٥ ، وينظر دلائل الاعجاز ص ١٧٨ ، شروح التلخيص ج ٣ ص ٥٠ ، المطول ص ٢٥٧ ، الاطول ج ٢ ص ١٣.
(٨) اللسان (شجع).
(٩) الخصائص ج ٢ ص ٣٦٠.
(١٠) المثل السائر ج ٢ ص ٤ ، الجامع الكبير ص ٩٨ ، جوهر الكنز ص ١١٨.