الشجاع يركب ما لا يستطيعه غيره ويتورّد ما لا يتوّرده سواه وكذلك هذا الالتفات في الكلام فإنّ اللغة العربية تختص به دون غيرها من اللغات» (١) ، وذكر العلوي مثل ذلك عند كلامه على الالتفات (٢).
شجاعة الفصاحة :
لم يذكر أحد هذا النوع في البديع ، وهو من مستخرجات ابن جني قال : «هو عبارة عن حذف شيء من لوازم الكلام وثوقا بمعرفة السامع به» (٣).
وقال الشريف الرضي : «وكان شيخنا ابو الفتح رحمة الله يسمي هذا الجنس «شجاعة الفصاحة» لأنّ الفصيح لا يكاد يستعمله إلّا وفصاحته جريّة العنان ، غزيرة الموادّ» (٤) ، ومثاله قوله تعالى : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ)(٥) أي : الشمس ، ولم يجر لها ذكر ، وقوله : (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها)(٦) أي : المدينة ، ولم يجر لها ذكر ، وقوله : (إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ)(٧) أي : الروح ، ولم يجر لها ذكر.
ومنه قوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «أرجو أن لا يطلع علينا نقابها» (٨) يريد نقاب المدينة ولم يجر لها لكنّه أقام علم المخاطبين بها مقام تصريحه.
ومن ذلك قول حاتم :
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى |
إذا حشرجت يوما وضاق بها الصّدر |
أي : النفس ، ولم يجر لها ذكر.
قال المدني : «وأكثر الأمثلة المذكورة عند علماء المعاني من وضع المضمر موضع المظهر إما لا شتهاره ووضوح أمره أو لأنّ الذهن لا يلتفت الى غيره أو لغير ذلك من الاعتبارات. وليس من الحذف في شيء كما لا يخفى لكنّ ابن جني مثّل لهذا النوع بالحديث السابق فكأنه لاحظ أنّ المتكلم حذف من الكلام مرجع الضمير لعلم السامع به» (٩).
الشّماتة :
الشماتة : فرح العدوّ ، وقيل : الفرح ببلية العدوّ ، وقيل : الفرح ببليّة تنزل بمن تعاديه ، والفعل منهما : شمت به يشمت شماتة وشماتا وأشمته الله به (١٠).
وهذا النوع من مستخرجات المصري قال : «هو إظهار المسرة بمن نالته محنة أو أصابته نكبة ولم استمع في ذلك مثل قول ابن الرومي :
لا زال يومك عبرة لغدك |
وبكت بشجو عين ذي حسدك |
|
فلئن بكيت لطالما نكبت |
بك همّة لجأت الى سندك |
|
لو تسجد الأيّام ما سجدت |
إلا ليوم فتّ في عضدك |
|
يا نعمة ولّت غضارتها |
ما كان أقبح حسنها بيدك |
|
فلقد غدت بردا على كبدي |
لمّا غدت نارا على كبدك |
|
ورأيت نعمى الله زائدة |
لما استبان النّقص في عددك |
|
لم يبق لي مما برى جسدي |
إلا بقايا الروح في جسدك (١١) |
وقال المصري : «ولم أظفر منه في الكتاب العزيز بشيء
__________________
(١) المثل السائر ج ٢ ص ٤ ، الجامع الكبير ص ٩٨.
(٢) الطراز ج ٢ ص ١٣١.
(٣) أنوار الربيع ج ٥ ص ١٩٢.
(٤) المجازات النبوية ص ٣٤.
(٥) سورة ص ٣٢.
(٦) الاحزاب ١٤.
(٧) القيامة ٢٦.
(٨) النقاب : جمع نقب ، وهو الطريق في الجبل.
(٩) أنوار الربيع ج ٥ ص ١٩٣.
(١٠) اللسان (شمت).
(١١) تحرير التحبير ص ٥٦٧.