كالبحر يقذف للقريب جواهرا |
جودا ويبعث للبعيد سحائبا |
والأول عند البلاغيين أبلغ لأنّ الأداة محذوفة.
الإدماج :
الادماج : اللف ، يقال : أدمج الحبل أي : أجاد فتله ، وقيل : أحكم فتله ، ودمج الشيء دموجا إذا دخل في الشيء واستتر فيه ، وأدمجت الشيء إذا لففته في ثوب.
فالادماج إدخال الشيء في الشيء (١).
وقد بحث الاوائل هذا الفن وعقد العسكري فصلا باسم «المضاعفة» قال : «هو أن يتضمن الكلام معنيين :معنى مصرح به ومعنى كالمشار اليه» (٢). ولكن البلاغيين الآخرين عقدوا بابا باسم «الادماج» ؛ وعدّه ابن رشيق من الاستطراد ، وقال : «ومن الاستطراد نوع يسمى الادماج» (٣). وعقد له ابن منقذ بابا سماه «باب التعليق والادماج» وقال عنه : «هو أن تعلق مدحا بمدح وهجوا بهجو ومعنى بمعنى» (٤). ولكنّ المصري فرّق بين هذين الفنين فقال : «والفرق بين التعليق والادماج أنّ التعليق يصرح فيه بالمعنيين المقصودين على شدة اتحادهما ، والادماج يصرح فيه بمعنى غير مقصود قد أدمج فيه المعنى المقصود» (٥).
وكان قد عرّف التعليق بقوله : «هو أن يأتي المتكلم بمعنى في غرض من أغراض الشعر ثم يعلّق به معنى آخر من ذلك الغرض يقتضي زيادة معنى من معاني ذلك الفن كمن يروم مدحا لانسان بالكرم فيعلق بالكرم شيئا يدلّ على الشجاعة بحيث لو أراد أن يخلص ذكر الشجاعة من الكرم لما قدر» (٦). كقوله تعالى : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ)(٧) ، فانه ـ سبحانه وتعالى ـ لو اقتصر على وصفهم بالذل على المؤمنين لاحتمل أن يتوهم ضعيف الفهم أنّ ذلهم عجز وضعف ، فنفى ذلك عنهم وكمّل المدح لهم بذكر عزّهم على الكافرين ليعلم أنّ ذلهم للمؤمنين عن تواضع لله ـ سبحانه ـ لا عن ضعف ولا عجز بلفظ اقتضت البلاغة الاتيان به ليتم بديع اللفظ كما تمّ المدح ، فحصل في هذه الألفاظ الاحتراس مدمجا في المطابقة وذلك تبع للتعليق الذي هو المطلوب من الكلام.
ومنه قول بعضهم :
أترى القاضي أعمى |
أم تراه يتعامى |
|
سرق العيد كأنّ العي |
د أموال اليتامى |
فعلق خيانة القاضي في أموال اليتامى بما قدمه من خيانته في أمر العيد برابطة التشبيه.
وعرّف الادماج بقوله : «هو أن يدمج المتكلم غرضا له في ضمن معنى قد نحاه من جملة المعاني ليوهم السامع أنّه لم يقصده ، وإنما عرض في كلامه لتتمة معناه الذي قصد اليه» (٨). كقوله تعالى : (لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ)(٩) ، فان هذه الجملة أدمج فيها المبالغة في الحمد ضمن المطابقة إذ أفرد نفسه ـ سبحانه ـ بالحمد حيث لا يحمد سواه.
ومنه قول بعض الاندلسيين :
أأرضى أن تصاحبني بغيضا |
مجاملة وتحملني ثقيلا |
__________________
(١) اللسان (دمج) ، التعريفات ص ١٠ ، أنوار الربيع ج ٦ ص ٢٧٩.
(٢) كتاب الصناعتين ص ٤٢٣.
(٣) العمدة ج ٢ ص ٤١ ، وينظر المنزع البديع ص ٤٦٤.
(٤) البديع في نقد الشعر ص ٥٨.
(٥) تحرير التحبير ص ٤٥١ ، بديع القرآن ص ١٧٣.
(٦) تحرير ص ٤٤٣ ، بديع القرآن ص ١٧١.
(٧) المائدة ٥٤.
(٨) تحرير ص ٤٤٩ ، بديع القرآن ص ١٧٢.
(٩) القصص ٧٠.