كان حمله على السيف أولى ، لأنّ الحال حال خوف بدليل قوله : «هزة الروع» ولأنّه أراد العفة عنها بوضعه السيف بينهما» (١).
عتاب المرء نفسه :
عتب عليه يعتب ويعتب عتبا وعتابا : وجد عليه ، وعاتبه عتابا ومعاتبة : لامه (٢).
ذكر المصري أنّ «عتاب المرء نفسه» من إفراد ابن المعتز (٣) وتابعه في ذلك الحلبي والنّويري وصفي الدين الحلي في بديعيته والحموي والمدني (٤).
وليس الأمر كذلك لأنّ ابن المعتز لم يذكر هذا الفن في بديعه وإنما تحدث في محاسن الكلام عن «إعنات الشاعر نفسه في القوافي وتكلفه من ذلك ما ليس له» (٥) ، وذكر له أمثلة كقول الشاعر :
يقولون في البستان للعين لذّة |
وفي الخمر والماء الذي غير آسن |
|
فإن شئت أن تلقى المحاسن كلّها |
ففي وجه من تهوى جميع المحاسن |
وقول الآخر :
عصاني قومي والرشاد الذي به |
أمرت ومن يعص المجرّب يندم |
|
فصبرا بني بكر على الموت إنّني |
أرى عارضا ينهلّ بالموت والدم |
وهذا هو لزوم ما لا يلزم لاعتاب المرء نفسه. وكان البيتان الاخيران مثار جدل البلاغيين مع أنّ ابن المعتز ذكرهما في إعنات الشاعر نفسه في القوافي ، أي لزوم ما لا يلزم. قال المصري : «وما أرى في هذين البيتين من عتاب المرء نفسه إلا ما يتحيل به لمعناهما فيقدر أنّ هذا الشاعر لما أمر بالرشد وبذل النصح ولم يطع ندم على بذل النصيحة لغير أهلها وملزوم ذلك عتابه لنفسه فيكون دلالة البيتين على عتابه لنفسه دلالة التزام لا دلالة مطابقة ولا تضمين. ومثل هذين البيتين قول دريد بن الصمة :
نصحت لعرّاض وأصحاب عارض |
ورهط بني السّوداء والقوم شهّدي |
|
قلت لهم ظنوا بألفي مدجّج |
سراتهم في الفارسيّ المسرّد |
|
فلما عصوني كنت منهم وقد أرى |
غوايتهم وأنّني غير مهتسد |
|
وما أنا إلا من غزيّة إن غوت |
غويت وإن ترشد غزيّة أرشد |
|
أمرتهم أمري بمنعرج اللّوى |
فلم يستبينوا النصح إلّا ضحى الغد |
ولا يصلح أن يكون شاهد هذا البيت إلا قول شاعر الحماسة :
أقول لنفسي في الخلاء ألومها |
لك الويل ما هذا التجلّد والصّبر |
وكقول ابن السليماني من شعراء الحماسة :
لعمرك إني يوم سلع للائم |
لنفسي ولكن ما يردّ التّلوّم |
|
أأمكنت من نفسي عدوّي ضلة |
ألهفي على ما فات لو كنت أعلم |
وقد جاء من هذا الباب في كتاب الله قوله سبحانه وتعالى : (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ)(٦) والله أعلم» (٧).
وقال مثل ذلك الحلبي والنّويري والحموي
__________________
(١) البديع في نقد الشعر ص ١٧٨.
(٢) اللسان (عتب).
(٣) تحرير التحبير ص ١٦٦ ، بديع القرآن ص ٦٣.
(٤) حسن التوسل ص ٢٣٦ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٢٥ ، خزانة ص ١٤٤ ، أنوار الربيع ج ٣ ص ٢٠٣ ، شرح الكافية ص ٨١.
(٥) البديع ص ٧٤.
(٦) الزمر ٥٦.
(٧) تحرير ص ١٦٦.