المضمر أولا» (١) كقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ. قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ)(٢). فقد صرح باسمه تعالى في قوله : (ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ) مع إيقاعه مبتدأ في قوله : (كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ) وكان القياس أن يقول : «كيف يبدئ الله الخلق ثم ينشئ النشأة الآخرة». والفائدة في ذلك أنّه لما كانت الإعادة عندهم من الامور العظيمة وكان صدر الكلام واقعا معهم في الابداء وقررهم أنّ ذلك من الله احتج عليهم بأنّ الاعادة إنشاء مثل الابداء واذا كان الله الذي لا يعجزه شيء هو الذي لا يعجزه الابداء ، فوجب أن لا تعجزه الإعادة.
فللدلالة والتنبيه على عظم هذا الأمر الذي هو الاعادة أبرز اسمه تعالى وأوقعه مبتدأ ثانيا.
العقد :
العقد : نفيض الحلّ ، عقده يعقده عقدا وتعقادا وعقدّه (٣).
تحدّث الحاتمي عن «نظم المنثور» وقال : «ومن الشعراء المطبوعين طائفة تخفي السرق وتلبسه اعتمادا على منثور الكلام دون منظومه واستراقا للألفاظ الموجزة والفقر الشريفة والمواعظ الواقعة والخطب البارعة» (٤). وكان ابو العتاهية ومحمود الوراق شديدي اللهج بذلك ، وقد تقدّم أمثالهما الأخطل ، عمد الى قول بعض اليونانيين : «العشق شغل قلب فارغ» فنظمه فقال :
وكم قتلت أروى بلا دية لها |
وأروى لفرّاغ الرجال قتول |
ويروى أنّ النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : «اليد العليا خير من اليد السفلى» فنظم أبو العتاهية بعض هذا اللفظ وأخلّ ببعضه ، فقال :
افرح بما تأتيه من طيّب |
إنّ يد المعطي هي العليا |
وتكلّم عليه ابن منقذ في باب «الحل والعقد» وقال : «اعلم انّ الحلّ والعقد هو ما يتفاضل فيه الشعراء والكتاب وهو أن يأخذ لفظا منثورا فينظمه أو شعرا فينثره ويطارحه العلماء فيما بينهم» (٥).
وقال المصري : «هو ضدّ الحلّ ؛ لأنّه عقد النثر شعرا. ومن شرائطه أن يؤخذ المنثور بجملة لفظه أو بمعظمه فيزيد فيه أو ينقص منه أو يحرف بعض كلماته ليدخل به في وزن من أوزان الشعر. ومتى أخذ معنى المنثور دون لفظه كان ذلك نوعا من أنواع السرقات بحسب الآخذ الذي يوجب استحقاق الأخذ للمأخوذ. ولا يسمّى عقدا إلا إذا أخذ المنثور برمته وإن غيّر منه بطريق من الطرق التي قدمناها كان المبقّى منه أكثر من المغيّر بحيث يعرف من البقية صورة الجميع» (٦)
وقال القزويني : «أما العقد فهو أن ينظم نثر لا على طريق الاقتباس» (٧) وتبعه البلاغيون في ذلك (٨).
والعقد من القرآن الكريم كقول أبي نواس :
بنفسي غزال صار للناس قبلة |
وقد زرت في بعض الليالي مصلّاه |
__________________
(١) اللسان (عقد).
(٢) العنكبوت ١٩ ـ ٢٠.
(٣) اللسان (عقد).
(٤) حلية المحاضرة ج ٢ ص ٩٢.
(٥) البديع في نقد الشعر ص ٢٥٩.
(٦) تحرير التحبير ص ٤٤١.
(٧) الايضاح ص ٤٢٣ ، التلخيص ص ٤٢٦.
(٨) شروح التلخيص ج ٤ ص ٥٢١ ، المطول ص ٤٧٤ ، الاطول ج ٢ ص ٢٥٣ ، أنوار الربيع ج ٦ ص ٢٩٦ ، نفحات ص ٣٢٤ ، التبيان في البيان ص ٣٤٧.