الغين
الغرابة :
غرب : بعد ، والغريب : الغامض من الكلام ، وكلمة غريبة وقد غربت (١). قال ابن قيّم الجوزيّة : «الغرابة :هي أن يكون المعنى مما لم يسبق إليه على جهة الاستحسان فيقال : ظريف وغريب إذا كان عديم المثال أو قليله. والقرآن العظيم كله سهل ممتنع ألفاظه سهلة ومعانيه نادرة وأسلوبه غريب قد مازجت القلوب عذوبته وحلت في العيون طلاوته وراق في الاسماع سماعه واستقر في الطباع انطباعه فلهذا لم يسأم على ترداده ولم تملّه النفوس على دوام إيراده فكل آية منه حسنة المساق وكل كلمة منه عذبة المذاق وكل معنى منه دقّ ورقّ» (٢). وقال : «ومن هذا النوع في أشعار العرب والمخضرمين والمتأخرين كثير لا يحصى ، فمن ذلك قول العرب :
هوى صاحبي ريح الشّمال إذا جرت |
وأشفى لقلبي أن تهبّ جنوب |
|
يقولون لو عزّيت قلبك لارعوى |
فقلت وهل للعاشقين قلوب |
والغرابة عند ابن قيم الجوزية غير ما ذهب اليه المتأخرون فهي عنده الندرة والروعة وقد قرنها بالظرافة والسهولة ، أمّا عند الآخرين فهي مما لا يحسن في فصيح الكلام ، وقد اشترطوا لفصاحة المفرد شروطا هي : خلوصه من تنافر الحروف والغرابة ومخالفة القياس اللغوي والكراهة في السمع.
ويريدون بالغرابة «أن تكون الكلمة وحشية لا يظهر معناها فيحتاج في معرفته الى أن ينفّر عنها في كتب اللغة المبسوطة» (٣). ومن ذلك قول عيسى بن عمر وقد سقط عن حماره واجتمع عليه الناس : «ما لكم تكأكأتم عليّ كتكأكؤكم على ذي جنّة افرنقعوا عني» أي : اجتمعتم ، تنحّوا.
أو يخرج لها وجه بعيد كما في قول العجاج : «وفاحما ومرسنا مسرّجا» فانّه لم يعرف ما أراد بقوله : «مسرّجا» حتى اختلف في تخريجه فقيل هو من قولهم للسيوف : «سريجية» منسوبة الى قين يقال له «سريج» يريد أنّه في الاستواء والدقة كالسيف السريجيّ» ، وقيل : من السراج ، يريد أنّه في البريق كالسراج ، وهذا يقرب من قولهم «سرج وجهه» أي :حسن ، و «سرّج الله وجهه» أي : بهجه وحسّنه.
وكان ابن سنان قد قال عن فصاحة اللفظة المفردة : «أن تكون الكلمة ـ كما قال أبو عثمان الجاحظ ـ غير متوعّرة وحشيّة» (٤) وذكر عبارة عيسى ابن عمر أو أبي علقمة النحوي وبعض الأشعار ، كقول أبي تمّام :
لقد طلعت في وجه مصر بوجهه |
بلا طائر سعد ولا طائر كهل |
__________________
(١) اللسان (غرب).
(٢) الفوائد ص ١٧٢.
(٣) الايضاح ص ٣ ، التلخيص ص ٢٥ ، شروح التلخيص ج ١ ص ٨٣ ، المطول ص ١٨ ، الأطول ج ١ ص ١٩ ، الروض المريع ص ٨٤.
(٤) سر الفصاحة ص ٦٩.