المعاني (١) وذكر أمثلة كثيرة مما وقع فيه الشعراء ، وتحدّث القاضي الجرجاني عن أغاليط الشعراء وذكر بيت زهير وغيره (٢). وعقد ابن رشيق بابا في أغاليط الشعراء والرواة (٣) وذكر مآخذ الأصمعي على زهير والشماخ ومآخذ الآمدي على البحتري وغير ذلك.
الغلوّ :
غلا في الدين والأمر يغلو غلوّا ، جاوز حدّه وأفرط ، وفي الحديث : «ايّاك والغلوّ في الدين» أي التّشدّد فيه ومجاوزة الحد. والغلو : الإعداء ، وغلا بالسهم يغلو غلوا وغلوّا وغالى به غلاء رفع يده يريد به أقصى الغاية وهو التّجاوز. وغلا السّهم نفسه : ارتفع في ذهابه وجاوز المدى. والغلوة قدر رمية بسهم وقد تستعمل الغلوة في سباق الخيل ، والغلوة : الغاية مقدار رمية (٤) قال ابن رشيق : «واشتقاق الغلوّ من المغالاة ، ومن غلوة السهم وهي مدى رميته. يقال : «غاليت فلانا مغالاة وغلاء» إذا اختبرتما أيكما أبعد غلوة سهم ، ومنه قول النبي ـ عليه الصلاة والسّلام ـ : «جري المذكيات غلاء» (٥) وقد جاء في حديث داحس «غلاء» و «غلاب» بالباء أيضا. واذا قلت : «غلا السعر غلاء» فإنّما تريد أنّه ارتفع وزاد على ما كان ، وكذلك غلت القدر غليا أو غليانا ، إنّما هو أن يجيش ماؤها ويرتفع» (٦).
والغلوّ أحد انواع المبالغة وقد سمّاه ابن طباطبا «التشبيهات البعيدة التي لم يلطف أصحابها فيها ولم يخرج كلامهم في العبارة عنها سلسا عذبا» (٧) كقول خفاف بن ندبة :
أبقى لها التعداء من عتداتها |
ومتونها كخيوطة الكتّان (٨) |
وكان قدامة من أوائل الذين أشاروا الى هذا الفن ومصطلحه وقال : «إنّ الغلوّ عندي أجود المذهبين وهو ما ذهب اليه أهل الفهم بالشعر والشعراء قديما ، وقد بلغني عن بعضهم أنّه قال : «أحسن الشعر أكذبه» وكذا يرى فلاسفة اليونانيين في الشعر على مذهب لغتهم» (٩).
وقال العسكري : «الغلوّ تجاوز حدّ المعنى والارتفاع فيه الى غاية لا يكاد يبلغها» (١٠).
كقوله تعالى : (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ)(١١) وقوله : (وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ)(١٢) ، وقول الجعدي :
بلغنا السّماء مجدنا وسناؤنا |
وإنّا لنرجو فوق ذلك مظهرا |
وقول البحتري :
فلو أنّ مشتاقا تكلّف غير ما |
في وسعه لسعى إليك المنبر |
وعدّ الباقلّاني من البديع «الغلوّ والإفراط» (١٣) ، وتحدّث ابن رشيق في المبالغة عن هذا النوع ، وقال : «فأما الغلوّ الذي ينكره من ينكر المبالغة من سائر أنواعها ويقع فيه الاختلاف لا ما سواه ، ولو بطلت المبالغة كلها وعيبت لبطل التشبيه وعيبت الاستعارة الى كثير من محاسن الكلام» (١٤). وعقد للمبالغة بابا
__________________
(١) كتاب الصناعتين ص ٦٩ وما بعدها.
(٢) الوساطة ص ١٠ وما بعدها.
(٣) العمدة ج ٢ ص ٢٤٥ وما بعدها.
(٤) اللسان (غلا).
(٥) المذكية من الخيل : التي قد اتى عليها بعد قروحها سنة او سنتان.
(٦) العمدة ج ٢ ص ٦٥.
(٧) عيار الشعر ص ٨٩.
(٨) العتدات : القوائم. متونها : ضلوعها.
(٩) نقد الشعر ص ٦٥ ، وينظر شرح ديوان الحماسة ج ١ ص ١١.
(١٠) كتاب الصناعتين ص ٣٥٧.
(١١) الأحزاب ١٠.
(١٢) الأعراف ٤٠.
(١٣) إعجاز القرآن ص ١١٧.
(١٤) العمدة ج ٢ ص ٥٥.