ومثاله قول بعضهم :
فيا أيّها الحيران في ظلم الدّجى |
ومن خاف أن يلقاه بغي من العدى |
|
تعال اليه تلق من نور وجهه |
ضياء ومن كفيه بحرا من الندى |
فساد التّقسيم :
فساد التقسيم من عيوب المعاني وذلك يكون بتكرار المعنى أو أن يؤتى منها ما يكون بعضه داخلا تحت بعض أو بأن يخل بما يقتضي المتكلّم فيه استيفاؤه (١) وقد تقدّم في التقسيم.
ومثاله قول جرير :
صارت حنيفة أثلاثا فثلثهم |
من العبيد وثلث من مواليها |
وعدّ بعضهم هذا من الاكتفاء ، لأنّ الباقي مفهوم وهو أنّ ثلثهم صرحاء (٢) ، وهذا من البلاغة.
فساد المقابلات :
فساد المقابلات من عيوب المعانى ، قال قدامة : «هو أن يضع الشاعر معنى يريد أن يقابله بآخر إما على جهة الموافقة أو المخالفة فيكون أحد المعنيين لا يخالف الآخر ولا يوافقه» (٣). مثاله قول أبي عدي القرشي :
يا ابن خير الأخيار من عبد شمس |
أنت زين الدنيا وغيث الجنود |
فليس قوله : «وغيث الجنود» موافقا لقوله «زين الدنيا» ولا مضادا ، وذلك عيب ، ومنه قوله أيضا :
رحماء بذي الصلاح وضرّا |
بون قدما لهامة الصنديد |
فليس للصنديد فيما تقدّم ضد ولا مثل ، ولعله لو كان مكان قوله : «الصنديد» : «الشرير» كان ذلك جيدا لقوله «ذي الصلاح».
الفصاحة :
أفصح اللّبن : ذهب اللّبأ عنه ، فصح اللبن : إذا أخذت عنه الرغوة ، أفصح الصبح : بدا ضوؤه واستبان وكل ما وضح فقد أفصح. الفصاحة : البيان ، يقال : فصح الرجل فصاحة فهو فصيح ، وكلام فصيح : بليغ ، ولسان فصيح : طلق. وفصح الاعجمي فصاحة :تكلم بالعربية وفهم عنه وقيل : جادت لغته حتى لا يلحن (٤).
وقد وردت الفصاحة وما يتصل بها في القرآن الكريم فقال سبحانه وتعالى حكاية عن نبيه موسى ـ عليهالسلام ـ : (وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً)(٥) وجاءت في قول النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «أنا أفصح العرب بيد أنّي من قريش».
ولفظة الفصاحة في كتاب الله وحديث الرسول العظيم لا تخرج عن معناها اللغوي وهو الظهور والبيان ، وحينما دخلت هذه اللفظة في الدراسات البلاغية والنقدية ارتبطت بلفظة البلاغة ، وأصبح البلاغيون لا يفرّقون بينهما في المرحلة الأولى من التأليف ، فالجاحظ لم يضع حدّا واضحا بينهما وإنما أجراهما بمعنى واحد في مواضيع كثيرة من كتابه «البيان والتبيين» فقال في تعريف البلاغة : «قال بعضهم ـ وهو أحسن ما اجتبيناه ودوّنّاه ـ لا يكون الكلام يستحقّ اسم البلاغة حتى يسابق معناه لفظه ولفظه معناه. فلا يكون لفظه الى سمعك أسبق من معناه الى قلبك» (٦). وفي هذا التعريف التقاء
__________________
(١) نقد الشعر ص ٢٢٦ ، الموشح ص ١٢٤ ، قانون البلاغة ص ٤١٤.
(٢) المنزع البديع ص ١٩٣.
(٣) نقد الشعر ص ٢٢٩ ، الموشح ص ١٢٦ ، قانون البلاغة ص ٤١٥ ، منهاج البلغاء ص ١٣٧.
(٤) اللسان (فصح).
(٥) القصص ٣٤.
(٦) البيان ج ١ ص ١١٥.