الفصاحة بالبلاغة والاشارة الى أنّهما شيء واحد. وقد تحدث عن الحروف وسلامتها وتآلفها وتكلم على تنافرها وغرابتها ووحشيتها ، وهذا ما أدخله المتأخرون في شروط فصاحة الكلمة المفردة وفصاحة الكلام المركّب.
وتحدّث ابن قتيبة عن الألفاظ عند كلامه على الشعر وتقسيمه الى أربعة أقسام : ضرب حسن لفظه وجاد معناه ، وضرب حسن لفظه وحلا فإذا أنت فتشته لم تجد هناك فائدة في المعنى ، وضرب جاد معناه وقصرت ألفاظه ، وضرب تأخر معناه وتأخر لفظه (١).
ولم يحدّد شروط اللفظ الفصيح او البديع. وفعل مثل ذلك المبرّد وثعلب وابن المعتز (٢) ، وذكر قدامة نعت اللفظ الحسن ، وهو ما كان سمحا ، وسهل مخارج الحروف عليه رونق الفصاحة مع الخلو من البشاعة.
وحدّد عيوب اللفظ وهي أن يكون ملحونا وجاريا على غير سبيل الإعراب واللغة ، وأن يركب الشاعر منه ما ليس بمستعمل إلا في الفرط ، ولا يتكلم به إلا شاذا وذلك هو الوحشي الذي مدح عمر بن الخطاب ـ رضياللهعنه ـ زهيرا بمجانبته له وتنكبه اياه فقال : «لا يتبع حوشي الكلام» (٣)
وذكر ابن وهب بعض ما يتصل باللفظ (٤) ، وكان العسكري من أوائل الذين وقفوا طويلا عند الفصاحة وفرّق بينها وبين البلاغة. وقد ذكر رأيين في الفصاحة ، الأول أنّ الفصاحة والبلاغة ترجعان الى معنى واحد وإن اختلف أصلاهما لأنّ كل واحدة منهما هي الابانة عن المعنى والاظهار له. الثاني : أنّهما مختلفتان وذلك أنّ الفصاحة تمام آلة البيان فهي مقصورة على اللفظ لأنّ الآلة تتعلق باللفظ دون المعنى ، والبلاغة إنما هي إنهاء المعنى الى القلب فكأنها مقصورة على المعنى.
قال : «وقال بعض علمائنا : الفصاحة تمام آلة البيان فلهذا لا يجوز أن يسمى الله تعالى فصيحا إذ كانت الفصاحة تتضمن الآلة ولا يجوز على الله تعالى ـ الوصف بالآلة ويوصف كلامه بالفصاحة لما يتضمن من تمام البيان. والدليل على ذلك أنّ الألثغ والتمتام لا يسميان فصيحين لنقصان آلهتما على اقامة الحروف.
وقيل زياد الاعجم لنقصان آلة نطقه عن إقامة الحروف ، وكان يعبّر عن الحمار بالهمار ، فهو أعجم وشعره فصيح لتمام بيانه» (٥)
وأوضح المسألة بقوله : «ومن الدليل على أنّ الفصاحة تتضمن اللفظ والبلاغة تتناول المعنى أنّ الببعاء يسمى فصيحا ولا يسمى بليغا ، إذ هو مقيم الحروف وليس له قصد الى المعنى الذي يؤديه. وقد يجوز مع هذا أن يسمّى الكلام الواحد فصيحا بليغا إذا كان واضح المعنى سهل اللفظ جيد السبك غير مستكره مجّ ولا متكلف وخم ولا يمنعه من أحد الاسمين شيء لما فيه من إيضاح المعنى وتقويم الحروف» (٦). وعقد فصلا في تمييز الكلام تحدث فيه عن صفات الالفاظ الحسنة وانتهى الى أنّ الكلام اذا جمع العذوبة والجزالة والسهولة والرصانة مع السلاسة والنصاعة واشتمل على الرونق والطلاوة وسلم من الحيف في التأليف وبعد عن سماجة التركيب وورد على الفهم الثاقب ـ قبله ولم يرده وعلى السمع المصيب استوعبه ولم يمجّه ، والنفس تقبل اللطيف وتنبو عن الغليظ (٧).
وعقد ابن سنان في كتاب «سر الفصاحة» فصولا ضافية تحدّث فيها عن صفات الحروف ومخارجها وفصاحة اللفظة المفردة والألفاظ المؤلّفة. والفصاحة عنده «الظهور والبيان» (٨) والفرق بينها وبين البلاغة «أنّ الفصاحة مقصورة على وصف الألفاظ والبلاغة لا
__________________
(١) الشعر والشعراء ج ١ ص ٦٦ ـ ٦٧.
(٢) الكامل ج ١ ص ٤٣ ، قواعد الشعر ص ٥٩.
(٣) نقد الشعر ص ٢٦.
(٤) البرهان في وجوه البيان ص ١٧٧ ، ٢٥٢.
(٥) كتاب الصناعتين ص ٧ ـ ٨.
(٦) كتاب الصناعتين ص ٨.
(٧) كتاب الصناعتين ص ٥٧.
(٨) سر الفصاحة ص ٥٩.