شروط ذكرها السابقون غير أنّ المتأخرين وضعوها في قواعد ثابتة وقسّموها هذا التقسيم الذي أوتف دراسة الألفاظ وجرسها وإيحائها عند مرحلة لم تتجاوزها طوال القرون السابقة.
فصل الخطاب :
الفصل : بون ما بين الشيئين ، وفصل الخطاب :البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه ، وقيل :هو أن يفصل بين الحق والباطل (١).
يسمّى النوع الذي ينتقل فيه الشاعر من الفن الذي شبب الكلام به الى ما يلائمه اقتضابا ، ولكن بعض ذلك الاقتضاب يقرب من التخلص ويسمّى حينئذ «فصل الخطاب» (٢). كقوله تعالى : (هذا ، وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ)(٣) أي : الأمر هذا ، أو هذا كما مر. ومنه قول الكاتب : «هذا باب» أو «هذا فصل» أو «أمّا بعد ...» وهو ما ذكره ابن الاثير الذي قال : «فمن ذلك ما يقرب من التخلص وهو فصل الخطاب والذي أجمع عليه المحققون من علماء البيان أنّه : «أما بعد ...» لأنّ المتكلم يفتتح كلامه في كل أمر ذي شأن بذكر الله وتحميده ، فاذا أراد أن يخرج الى الغرض المسوق اليه فصل بينه وبين ذكر الله تعالى بقوله : «أما بعد ...» (٤). وذكر أنّه يأتي في الشعر قليلا ، ومن ذلك قول الشاعر المعروف بالخباز البلدي في قصيدة منها :
هذا وكم لي بالجنينة سكرة |
أنا من بقايا شربها مخمور |
|
باكرتها وغصونها مغروزة |
والماء بين مروزها مذعور |
الفصل والوصل :
الفصل بون ما بين الشيئين ، والفصل من الجسد :موضع المفصل ، وبين كل فصلتين وصل. والفصل الحاجز بين الشيئين ، فصل بينهما يفصل فصلا فانفصل وفصلت الشيء فانفصل : أي قطعته فانقطع.
والوصل خلاف الفصل ، وصل الشيء بالشيء يصله وصلا وصلة وصلة ، واتصل الشيء بالشيء : لم ينقطع (٥).
والفصل في البلاغة أو الكلام ترك عطف بعض الجمل على بعض ، والوصل عطف بعضها على بعض ، وكان الجاحظ من أوائل الذين تكلموا عليه في كتبهم (٦) ، ووقف عنده العسكري وقفة طويلة وذكر أقوالا كثيرة تدل على أهمية هذا الاسلوب ، وبحث ما يتصل بفصول القصيدة ومقاطعها (٧).
وهذا ما لم يتطرق إليه المتأخرون في الفصل والوصل ، ولعل عبد القاهر من أشهر الذين بحثوه بحثا مفصلا يقوم على التقسيم والتحديد ، وربطوه بباب العطف. وقد أجمل مواضع الفصل والوصل بقوله : «إنّ الجمل على ثلاثة أضرب : جملة حالها مع التي قبلها حال الصفة مع الموصوف والتأكيد مع المؤكد فلا يكون فيها العطف البتة لشبه العطف فيها ـ لو عطفت ـ بعطف الشيء على نفسه. وجملة حالها مع التي قبلها حال الاسم يكون غير الذي قبله إلا أنّه يشاركه في حكم ويدخل معه في معنى مثل أن يكون كلا الاسمين فاعلا أو مفعولا أو مضافا إليه فيكون حقها العطف. وجملة ليست في شيء من الحالين ، بل سبيلها مع التي قبلها سبيل الاسم مع الاسم لا يكون منه في شيء فلا يكون إياه ولا
__________________
(١) اللسان (فصل).
(٢) الايضاح ص ٤٣٤ ، التلخيص ص ٤٣٤ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٥٤٠ ، المطول ص ٤٨١ ، الاطول ج ٢ ص ٢٥٩.
(٣) سورة ص ٥٥.
(٤) المثل السائر ج ٢ ص ٢٧٥ ، وينظر المطول ص ٤٨١.
(٥) اللسان (فصل) و (وصل).
(٦) البيان ج ١ ص ٨٨.
(٧) كتاب الصناعتين ص ٤٣٨.