وما منهما إلا له فيه نعمة |
تضيق بها الأوهام والبرّ والبحر |
فقال وأساء :
الحمد لله إنّ الله ذو نعم |
لم يحصها عددا بالشكر من حمدا |
|
شكري له عمل فيه عليّ له |
شكر يكون لشكر قبله مددا |
ومن ذلك قول الإمام علي ـ رضياللهعنه ـ «قيمة كل امرىء ما يحسنه» أخذه ابن طباطبا بلفظه وأخرجه بغيضا متكلفا بقوله :
فيا لائمي دعني أغال بقيمتي |
فقيمة كلّ الناس ما يحسنونه |
القبض :
القبض خلاف البسط ، قبضه يقبضه قبضا.
والقبض : جمع الكف على الشيء ، وقبضت الشيء قبضا : أخذته. والقبض في الشعر حذف الحرف الخامس الساكن من الجزء نحو النون من «فعولن» (١).
قال ابن فارس : «ومن سنن العرب القبض محاذاة للبسط الذي ذكرناه ، وهو النقصان من عدد الحروف» (٢) ، كقول القائل : «غرثى الوشاحين صموت الخلخل». أي الخلخال.
وسمّاه السيوطي «الاقتطاع» وذكره المدني في «الاكتفاء» (٣) وقد تقدما.
القران :
قرنت الشيء بالشيء : وصلته ، والقران : حبل يقلّد البعير ويقاد به (٤).
والقران هو الربط بين أبيات القصيدة ليقع التشابه والانسجام ، وقد ذكره الجاحظ وهو يتحدث عن تلاحم أبيات الشعر وتوافقها ، قال أبو نوفل بن سالم لرؤية بن العجّاج : «يا أبا الجحاف مت إذا شئت. قال : وكيف ذاك؟ قال : رأيت عقبة بن رؤبة ينشد رجزا أعجبني ، إنه يقول : «لو كان لقوله قران» قال الشاعر :
مهاذبة مناجبة قران |
منادبة كأنّهم الأسود (٥) |
وأنشد ابن الأعرابي :
وبات يدرس شعرا لا قران به |
قد كان نقّحه حولا فما زادا |
أراد بقوله : «قران» التشابه والموافقة وكان يطلب أن يوضع البيت الى جنب ما يشبهه ويوافقه (٦).
فالجاحظ نقل هذا المصطلح وأراد به أن يكون الكلام متلاحما ، قال : «واذا كانت الكلمة ليس موقعها الى جنب أختها مرضيا موافقا كان على اللسان عند إنشاد ذلك الشعر مؤونة. وأجود الشعر ما رأيته متلاحم الاجزاء ، سهل المخارج فتعلم بذلك أنّه قد أفرغ إفراغا واحدا وسبك سبكا واحد فهو يجري على اللسان كما يجري الدهان» (٧).
وطلب الجاحظ أن يكون اقتران بين الحروف لتخرج الالفاظ جميلة الجرس بديعة الايقاع ، قال : «فهذا في اقتران الألفاظ فأمّا في اقتران الحروف فإنّ الجيم لا تقارن الظاء ولا القاف ولا الطاء ولا الغين بتقديم ولا تأخير. والزاي لا تقارن الظاء ولا السين ولا الضاد ولا الذال بتقديم ولا تأخير» (٨). وهذا ما تحدث عنه اللغويون منذ عهد الخليل بن احمد الفراهيدي وبنوا عليه كثيرا من الأحلام اللغوية واستفادوا منه في
__________________
(١) اللسان (قبض).
(٢) الصاحبي ص ٢٢٨.
(٣) الاتقان ج ٢ ص ٦١ ، انوار الربيع ج ٣ ص ٨٣ ـ ٨٤.
(٤) اللسان (قرن).
(٥) مهاذبة : سراع ، مناجبة : جمع منجاب وهو الذي يلد النجباء. منادبة : الذين ينتدبون عند الحاجة.
(٦) البيان ج ١ ص ٦٨ ، ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ، ٢٢٨.
(٧) البيان ج ١ ص ٦٧.
(٨) البيان ج ١ ص ٦٩.