ألا إنني بال على جمل بال |
يقود بنا بال ويتبعنا بال |
قال ابن منقذ : «ومن العجب أنّ صاحب الصناعتين جعله من محاسن الشعر ولقّبه بالتعطف ، ولا خلف بين العالم والجاهل في ركاكته» (١).
وقال : «ومن الشعر الخلق :
ولو أرسلت من حبك |
مبهوتا من الصين |
|
لوافيتك قبل الصّبح |
أو قبل تصلين |
قوّة اللّفظ لقوّة المعنى :
قال ابن الأثير : «اعلم أنّ اللفظ إذا كان على وزن من الأوزان ثم نقل الى وزن آخر اكثر منه فلا بدّ من أن يتضمن من المعنى أكثر مما تضمنه أولا ؛ لأنّ الالفاظ أدلّة على المعاني وأمثلة للابانة عنها فاذا زيد في الالفاظ أوجبت القسمة زيادة المعنى وهذا لا نزاع فيه لبيانه ، وهذا النوع لا يستعمل إلا في مقام المبالغة» (٢). ومن ذلك «خشن» و «اخشوشن» فمعنى الاولى دون معنى الثانية لما فيها من تكرير العين وزيادة الواو ومن ذلك قوله تعالى : (فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ)(٣) ، وقد استعمل (مُقْتَدِرٍ) لأنّه أقوى وأبلغ من «قادر».
ومن ذلك قول أبي نواس :
فعفوت عني عفو مقتدر |
حلّت له نقم فألفاها |
والأمر في اختلاف الصيغ كأمر هذا الاختلاف ، ولذلك ينتقل المتكلم من لفظة الى أخرى حينما يريد أن يقوي المعنى أو يعطيه نوعا من المبالغة والتوكيد.
وتحدّث العلوي عن هذا النوع بمثل ما تكلّم عليه ابن الأثير وقال إنّ ذلك يقع في الأسماء كقوله تعالى : (الْحَيُّ الْقَيُّومُ)(٤) فانه أبلغ من «قائم» ، وفي الأفعال كقوله تعالى : (فَكُبْكِبُوا فِيها)(٥) ، فانه مأخوذ من «الكبّ» وهو القلب لكنّه كرر الباء للمبالغة فيه. وفي الحروف ـ وهو قليل الاستعمال ـ مثل : «سأفعل» و «سوف أفعل» فان زمان «سوف» أوسع من زمان السين وما ذاك إلا لأجل امتداد حروفها (٦).
وهذا النوع مما تحدّث عنه اللغويون والنحاة كابن جني ولكنهم لم يجلوه كما جلاه ابن الأثير ولذلك قال : «هذا النوع قد ذكره أبو الفتح في كتاب «الخصائص» إلا أنّه لم يورده كما أوردته أنا ولا نبّه على ما نبهت عليه من النكت التي تضمنته» (٧) وكرر العلوي هذا الكلام في كتابه الطراز (٨).
القول بالموجب :
هذا النوع من مبتدعات المصري ، قال : «هو أن يخاطب المتكلّم فيبني عليها من لفظه ما يوجب عكس معنى المتكلّم وذلك عين القول بالموجب لأنّ حقيقته ردّ الخصم كلام خصمه من فحوى لفظه» (٩). كقول ابن حجاج :
قلت ثقّلت إذ أتيت مرارا |
قال ثقّلت كاهلي بالأيادي |
|
قلت طوّلت قال لي بل تطوّل |
ت وأبرمت قلت : حبل ودادي |
وقال ابن الدويدة المغربي في رجل أودع بعض القضاة
__________________
(١) البديع في نقد الشعر ص ١٦٥ ، وينظر : كتاب الصناعتين ص ٤٢٠.
(٢) المثل السائر ج ٢ ص ٦٠ ، الجامع الكبير ص ١٩٣.
(٣) القمر ٤٢.
(٤) البقرة ٢٥٥.
(٥) الشعراء ٩٤.
(٦) الطراز ج ٢ ص ١٦٢ وما بعدها ولعل المرد أنه كرر (الكاف).
(٧) المثل السائر ج ٢ ص ٦٠.
(٨) الطراز ج ٢ ص ١٦٢.
(٩) تحرير التحبير ص ٥٩٩ ، بديع القرآن ص ٣١٤.