أن يعظّم الرجل أن يدعى باسمه ، وقد وقعت في الكلام على ضربين : في الصبي على جهة التفاؤل بأن يكون له ولد ويدعى بولده كناية عن اسمه ، وفي الكبير أن ينادى باسم ولده صيانة لاسمه (١).
وذكر قدامة فنا سمّاه الإشارة ، وهو أن يكون اللفظ القليل مشتملا على معان كثيرة بايماء اليها أو لمحة تدلّ عليها كما قال بعضهم وقد وصف البلاغة «هي لمحة دالّة» (٢). وذكر في باب ائتلاف اللفظ والمعنى فنا سماه «الإرداف» وهو أن يريد الشاعر دلالة على معنّى من المعاني فلا يأتي باللفظ الدال على ذلك المعنى بل بلفظ يدلّ على معنّى هو ردفه وتابع له فإذا دلّ على التابع أبان عن المتبوع ، كقول عمر بن ابي ربيعة :
بعيدة مهوى القرط إمّا لنوفل |
أبوها وإما عبد شمس وهاشم |
وإنما أراد أن يصف طول الجيد فلم يذكره بلفظه الخاص بل أتى بمعنى هو تابع لطول الجيد وهو بعد مهوى القرط (٣).
وتحدّث ابن سنان عن حسن الكناية عما يجب أن يكنى عنه في المواضع التي لا يحسن التصريح فيها ، وعدّه أصلا من أصول الفصاحة وشرطا من شروط البلاغة (٤).
وتحدّث عن الإرداف وقال : «ومن نعوت البلاغة والفصاحة أن تراد الدّلالة على المعنى فلا يستعمل اللفظ الخاص الموضوع له في اللغة بل يؤتى بلفظ يتبع ذلك المعنى ضرورة فيكون في ذكر التابع دلالة على المتبوع ، وهذا يسمّى الإرداف والتتبيع لأنه يؤتى فيه بلفظ هو ردف اللفظ المخصوص بذلك المعنى وتابعه» (٥).
واختلط مصطلحا «الكناية» و «التعريض» عند العسكري وقال : «هو أن يكنّى عن الشيء ويعرّض به ولا يصرّح على حسب ما عملوا باللحن والتورية عن الشيء» (٦) وتحدّث عن الإرداف والتوابع وقال : «أن يريد المتكلّم الدلالة على معنى فيترك اللفظ الدالّ عليه الخاص به ويأتي بلفظ هو ردفه وتابع له فيجعله عبارة عن المعنى الذي أراده ، وذلك مثل قول الله تعالى : (فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ)(٧). وقصور الطرف في الأصل موضوعة للعفاف على جهة التوابع والإرداف ، وذلك أنّ المرأة اذا عفّت قصرت طرفها على زوجها فكان ، قصور الطرف ردفا للعفاف ، والعفاف ردف وتابع لقصور الطرف» (٨). وتكلّم على المماثلة وهي : «أن يريد المتكلّم العبارة عن معنى فيأتي بلفظة تكون موضوعة لمعنى آخر إلا أنّه ينبىء اذا أورده عن المعنى الذي أراده كقولهم : «فلان نقي الثوب» يريدون أنّه لا عيب فيه وليس موضوع نقاء الثوب البراءة من العيوب وإنما استعمل فيه تمثيلا» (٩).
وأدخل ابن رشيق الكناية في باب الإشارة وهي عنده من غرائب الشعر وملحه ، وبلاغته عجيبة تدلّ على بعد المرمى وفرط المقدرة وليس يأتي بها إلا الشاعر المبرز والحاذق الماهر ، وهي في كل نوع من الكلام لمحة دالّة واختصار وتلويح يعرف مجملا ، ومعناه بعيد من ظاهر لفظه. ومن أنواعها التفخيم والايماء والتعريض والتلويح والكناية والتمثيل والرمز واللمحة واللغز واللحن والتعمية والحذف والتورية والتتبيع. وقال عن الكناية : «والعرب تجعل المهاة شاة لأنّها عندهم ضائنة الظباء ، ولذلك يسمونها نعجة. وعلى هذا المتعارف في الكناية جاء قول الله ـ عزوجل ـ في إخباره عن
__________________
(١) الكامل ج ٢ ص ٦٧٤.
(٢) نقد الشعر ص ١٧٤.
(٣) نقد الشعر ص ١٧٨.
(٤) سر الفصاحة ص ١٩٢.
(٥) سر الفصاحة ص ٢٧٠.
(٦) كتاب الصناعتين ص ٣٦٨.
(٧) الرحمن ٥٦.
(٨) كتاب الصناعتين ص ٣٥٠.
(٩) كتاب الصناعتين ص ٣٥٣.