في المعاني وطلبوا أن يحسن مراعاة المؤاخاة اللفظية كالإفراد والتثنية والجمع وغير ذلك من الأحكام اللفظية ، فاذا كان الاول مفردا استحب في مقابله أن يكون مفردا مثله ، وهكذا إذا كان مجموعا ، ومن ثمّ عيب على أبي تمام قوله في وصف الرماح :
مثقفات سلبن العرب سمرتها |
والروم زرقتها والعاشق القصفا |
وعيب على أبي نواس قوله في وصف الخمر :
صفراء مجّدها مرازبها |
جلّت عن النظراء والمثل |
لأنّه جمع ثم أفرد في معنى ، وكان الأحسن أن يقول : «والامثال» ليطابق «النظراء» ، أو «النظير» ليطابق «المثل» (١).
ومن جميل المؤاخاة اللفظية قوله تعالى : (طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ)(٢) ، وقوله : (شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ)(٣) وقوله : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ)(٤).
المؤاخاة المعنويّة :
تأتي المؤاخاة المعنوية مطابقة على ما سبق من الكلام ، ومنها كثير في فواصل القرآن الكريم ، ومن ذلك قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)(٥) فصل الآية بقوله : (لَطِيفٌ خَبِيرٌ) لما فيه من المطابقة لمعناها لأنّه ضمنها ذكر الرحمة للخلق بانزال الغيث لما فيه من المعاش لهم ولانعامهم فكان لطيفا بهم خبيرا بمقادير مصالحهم. ومنه قوله تعالى : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)(٦) وقد فصلها بقوله : (الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) ليطابق ما أودعه فيها لأنّه لما ذكر أنّه مالك لما في السماوات والارض لا لحاجة قابله بقوله : (لَهُوَ الْغَنِيُ) أي : عن كل شيء ؛ لأنّ كل غني لا يكون نافعا بغناه إلا إذا كان جوادا به منعما على غيره فانه يحمده المنعم عليه فذكر (الْغَنِيُ) ليدل به على كونه غير مفتقر اليها وذكر (الْحَمِيدُ) لما كان جوادا على خلقه فلا جرم استحق الحمد من جهتهم.
ومن المؤاخاة المعنوية قول ذي الرّمة :
لمياء في شفتيها حوّة لعس |
وفي الثنايا وفي أنيابها شنب (٧) |
فقد ناسب بين «في شفتيها حوة» و «في الثنايا شنب».
ومثال ما لا تناسب فيه قول الكميت :
وقد رأيت بها خودا منعّمة |
بيضا تكامل فيها الدلّ والشنب |
ولا تناسب بين «الدل» و «الشنب» (٨).
المؤتلفة والمختلفة :
قال الحلبي والنّويري : «هو أن يريد الشاعر التسوية بين ممدوحين فيأتي بمعان مؤتلفة في مدحهما ويروم بعد ذلك ترجيح أحدهما على الآخر بزيادة لا ينقص بها مدح الآخر فيأتي لأجل الترجيح بمعان تخالف التسوية» (٩). ومنه قول الخنساء في أخيها صخر وقد أرادت مساواته بأبيه مع مراعاة حق الوالد بزيادة فضل لا ينقص بها قدر الولد :
جارى أباه فأقبلا وهما |
يتعاوران ملاءة الحضر |
__________________
(١) الطراز ج ٢ ص ٣٨٨ ، الفوائد ص ٩٣.
(٢) النحل ١٠٨.
(٣) فصلت ٢٠.
(٤) البقرة ٧.
(٥) الحج ٦٣.
(٦) الحج ٦٤.
(٧) تقدم شرح المفردات في الصفحة السابقة.
(٨) الطراز ج ٢ ص ٣٩٠ ، الفوائد ص ٩٣.
(٩) حسن التوسل ص ٢٨٠ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٥١.