المجاز :
جزت الطريق وجاز الموضع جوازا ، وجاز به وجاوزه وأجازه غيره وجازه وجاوزه وأجازه وأجاز غيره ، وجازه : سار فيه وسلكه ، وجاوزت الموضع جوازا بمعنى جزته. والمجاز والمجازة : الموضع (١).
المجاز اسم للمكان الذي يجاز فيه كالمعاج والمزار وأشباههما ، وحقيقته هي الانتقال من مكان الى آخر ، وأخذ هذا المعنى واستعمل للدلالة على نقل الالفاظ من معنى آخر. وقد تحدّث البلاغيون والنقّاد عن هذا الفن في كتبهم وسمّى أبو عبيدة أحد كتبه «مجاز القرآن» وعالج فيه كيفية التوصّل الى فهم المعاني القرآنية باحتذاء اساليب العرب في كلامهم وسننهم في وسائل الإبانة عن المعاني. ولم يعن بالمجاز ما هو قسيم الحقيقة وانما عنى بمجاز الآية ما يعبر به عن الآية ، وأشار ابن تيميّة الى ذلك وهو يتحدّث عن الحقيقة والمجاز وقال : «إنّ الحقيقة والمجاز من عوارض الألفاظ وبكل حال فهذا التقسيم هو اصطلاح حادث بعد انقضاء القرون الثلاثة لم يتكلّم به أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ولا أحد من الأئمة المشهورين في العلم كمالك والثوري والأوزاعي وأبي حنيفة والشافعي بل ولا تكلّم به أئمة اللغة والنحو كالخليل وسيبويه وأبي عمرو بن العلاء ونحوهم. وأوّل من عرف أنّه تكلّم بلفظ المجاز أبو عبيدة معمر بن المثنّى في كتابه ولكن لم يعن بالمجاز ما هو قسيم الحقيقة وإنّما عنى بمجاز الآية ما يعبّر به عن الآية» (٢). ثم قال : «فان تقسيم الألفاظ الى حقيقة ومجاز إنما اشتهر في المائة الرابعة وظهرت أوائله في المائة الثالثة ، وما علمته موجودا في المائة الثانية اللهمّ إلّا أن يكون في أواخرها» (٣) ولكنّ أسلوب الحقيقة والمجاز كان معروفا ومستعملا في كلام العرب قبل ذلك ويسمي المجاز «سعة في الكلام» (٤) أي انه غير حقيقي. وسمّاه الفرّاء «الإجازة» فقال بعد قوله تعالى : (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى)(٥) : يقول : قد خلق على أنّه شقي ممنوع من الخير ، ويقول القائل فكيف قال : (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) فهل في (لِلْعُسْرى) تيسير؟ فيقال في هذا في إجازته بمنزلة قول الله تبارك الله وتعالى :
(وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ)(٦). والبشارة في الاصل على المفرح والسار ، فاذا جمعت في كلامين :
هذا خير ، وهذا شر ، جاز التيسير فيهما جميعا» (٧).
وتعرّض الجاحظ للمجاز وهو عنده صوره المختلفة ، ومن لطيف كلامه تعليقه على قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً)(٨). وقوله إنها من باب المجاز والتشبيه على شاكلة قوله تعالى : (أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)(٩). وقد يقال لهم ذلك وإن شربوا بتلك الأموال الأنبذة ولبسوا الحلل وركبوا الدواب ولم ينفقوا منها درهما واحدا في سبيل الأكل. وقال الله ـ عزوجل ـ في تمام الآية : (إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً) وهذا مجاز آخر ، وقرن بالآية بعض آيات أخر من التنزيل الحكيم وبعض أشعار العرب التي تجري مجراها في الاستعارة ثم عقّب بقوله : «فهذا كله مختلف ، وهو كله مجاز» (١٠) وقال عن المجاز : «وهذا الباب هو مفخر العرب في لغتهم وبه وبأشباهه اتسعت» (١١).
فالجاحظ يضع يده على أسلوب المجاز ويحدّد
__________________
(١) اللسان (جوز).
(٢) الايمان ص ٨٤.
(٣) الايمان ص ٨٥.
(٤) الكتاب ج ١ ص ٥٣.
(٥) الليل ١٠.
(٦) التوبة ٣.
(٧) معاني القرآن ج ٣ ص ٢٧٠ ـ ٢٧١.
(٨) النساء ١٠.
(٩) المائدة ٤٢.
(١٠) الحيوان ج ٥ ص ٢٥ ـ ٢٨.
(١١) الحيوان ج ٥ ص ٤٢٦.