إني لمن معشر أفنى أوائلهم |
قيل الكماة : ألا أين المحامونا؟ |
والقيل لمن يفن ، وإنّما الذي أفنى هو الشجعان.
المجاز الإفراديّ :
هو أحد أنواع المجاز اللغويّ. وهو المجاز المرسل الذي تكون علاقته بين ما استعمل فيه وما وضع له ملابسة غير التشبيه. وقد سمّاه ابن الزملكاني والزركشي «المجاز الإفرادي» (١) وسمّاه السّيوطي «المجاز في المفرد» وقال : «ويسمّى المجاز اللغويّ» (٢).
يكون المجاز اللغويّ في نقل الألفاظ من حقائقها اللغوية الى معان أخرى بينها صلة ومناسبة وقد يسمّى المجاز المفرد. وقد قسّمه القزويني الى مرسل واستعارة لأنّ العلاقة المصحّحة إن كانت تشبيه معناه بما هو موضوع له فهو استعارة وإلّا فهو مجاز مرسل. وعرّف المرسل بقوله : «هو ما كانت العلاقة بين ما استعمل فيه وما وضع له ملابسة غير التشبيه» (٣). وسمّي هذا النوع مرسلا ؛ لأنّ الإرسال في اللغة الإطلاق ، والمجاز الاستعاري مقيّد بادّعاء أنّ المشبّه من جنس المشبّه به والمرسل مطلق من هذا القيد. وقيل : إنما سمي مرسلا لإرساله عن التقييد بعلاقة مخصوصة بل ردّد بين علاقات بخلاف المجاز الاستعاري فإنّه بعلاقة واحدة وهي المشابهة (٤).
ولم نجد أحدا أطلق اسم «المجاز المرسل» على هذا النوع قبل السّكّاكي (٥) وكان القدماء قد ذكروا أنواعه ولم يسمّوه ، ومنهم الفرّاء الذي قال في قوله تعالى : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ)(٦) : «والعرب تقول : النادي يشهدون عليك والمجلس ، يجعلون النادي والمجلس والمشهد والشاهد ـ القوم قوم الرجل» (٧). وأشار الآمدي الى السببية والمجاورة وهي من علاقات المرسل كقولهم للمطر : «سماء» وقولهم : «ما زلنا نطأ السماء حتى أتيناكم». قال الشاعر :
إذا سقط السّماء بأرض قوم |
رعيناه وإن كانوا غضابا |
أراد : إذا سقط المطر رعيناه أي : رعينا النبت الذي يكون عنه ، ولهذا سمّي النبت ندى لأنّه عن الندى يكون. وقالوا : «ما به طرق» أي ما به قوة ، والطرق : الشحم ، فوضعوه موضع القوة ؛ لأنّ القوة عنه تكون.
وقولهم للمزادة «راوية» وإنّما الراوية البعير الذي يسقى عليه الماء فسمّي الوعاء الذي يحمله باسمه. ومن ذلك «الحفض» متاع البيت فسمي البعير الذي يحمله حفضا (٨). وهذه أنواع المجاز المرسل الذي تحدث عنه المتأخرون.
وقال ابن جني عن البيت :
ذر الآكلين الماء ظلما فما أرى |
ينالون خيرا بعد أكلهم الماءا |
«فكأنه من باب الاكتفاء بالسبب عن المسبب ، يريد قوما كانوا يبيعون الماء فيشترون بثمنه ما يأكلونه فاكتفى بذكر الماء الذي هو سبب المأكول من ذكر المأكول» (٩).
وقسّم الإمام الغزالي المجاز الى أربعة عشر نوعا ومعظمها يدخل في المجاز المرسل وذكر ابن الأثير أنّها ترجع الى التوسّع والتشبيه والاستعارة (١٠). وتكلّم
__________________
(١) البرهان الكاشف ص ١٠٢ ، البرهان في علوم القرآن ج ٢ ص ٢٥٨.
(٢) معترك ج ١ ص ٢٤٨.
(٣) الايضاح ص ٢٧٠ ، التلخيص ص ٢٩٥.
(٤) حاشية الدسوقي ج ٤ ص ٢٩.
(٥) مفتاح العلوم ص ١٩٥ ـ ١٩٦.
(٦) العلق ١٧.
(٧) معاني القرآن ج ٣ ص ٢٧٩ ، وينظر جمهرة أشعار العرب ص ١٨.
(٨) الموازنة ج ١ ص ٣٤.
(٩) الخصائص ج ١ ص ١٥٢.
(١٠) المثل السائر ج ١ ص ٣٦٨ وما بعدها.