ولست بحلّال التلاع مخافة |
ولكن متى يسترفد القوم أرفد |
وقال بعد هذا النوع : «والظاهر أنّ الكناية ليست من المجاز لأنّك استعملت اللفظ فيما وضع له وأردت به الدلالة على غيره ولم تخرجه عن أن يكون مستعملا فيما وضع له» (١).
فمجاز اللزوم ليس مجازا خاصا ذا علاقة أو ملابسة معينة وإنّما هو المجاز بأنواعه المختلفة ، وقد ذكر فيه عز الدين بن عبد السّلام المجاز المرسل والمجاز العقلي وأدخل فيه الكنايات وإن نفى كونها من المجاز.
المجاز اللّغويّ :
هو المجاز في المثبت أو في المفرد (٢) ، وهو نوعان : الاستعارة والمجاز المرسل ، وقد تقدّما.
مجاز المجاز :
قال عز الدين بن عبد السّلام : «هو أن يجعل المجاز المأخوذ عن الحقيقة بمثابة الحقيقة بالنسبة الى مجاز آخر فتجوز بالمجاز الأوّل عن الثاني لعلاقة بينه وبين الثاني» (٣). كقوله تعالى : (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا)(٤)
فانّه مجاز عن مجاز فإنّ الوطء يتجوّز عنه بالسر لأنّه لا يقع غالبا إلّا في السرّ فلما لازم السر في الغالب سمّي سرّا ، ويتجوّز بالسّر عن العقد لأنّه سبب فيه ، فالمصحح للمجاز الأول الملازمة ، والمصحح للمجاز الثاني التعبير باسم المسبب الذي هو السر عن العقد الذي هو سبب ، كما سمّي عقد النكاح نكاحا لكونه سببا في النكاح وكذلك سمّي العقد سرّا لأنّه سبب في السر الذي هو النكاح ، فهذا مجاز عن مجاز مع اختلاف المصحح ، فمعنى قوله تعالى : (لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) لا تواعدوهن عقد نكاح.
ومنه قوله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ)(٥) فانّ قول (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ*) مجاز عن تصديق القلب بمدلول هذا اللفظ والعلامة السببية لأنّ توحيد اللسان مسبب عن توحيد الجنان والتعبير بـ (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) عن الوحدانية من مجاز التعبير بالقول عن المقول فيه.
ونقل السّيوطي ذلك وقال : «وجعل منه ابن السيد قوله : (أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً)(٦) فانّ المنزل عليهم ليس هو نفس اللباس بل الماء المنبت للزرع المتخذ منه الغزل المنسوج منها للباس» (٧). وقال الزركشي : «قلت : وهذا تسمية ابن السيد مجاز المراتب» (٨).
مجاز المراتب :
قال الزركشي وهو يتحدّث عن مجاز المجاز : «قلت وهذا تسمية ابن السيد مجاز المراتب» (٩) ، ولم يوضح صلة هذا النوع بمجاز المجاز ولعله واحد. وكان السّيوطي قد ذكر ذلك من غير أن يسمّيه «مجاز المراتب» عند كلامه على مجاز المجاز (١٠).
__________________
(١) الاشارة الى الايجاز ص ٧٩ ـ ٨٥.
(٢) أسرار البلاغة ص ٢٧٦ ، نهاية الإيجاز ص ٤٨ ، مفتاح العلوم ص ١٨٥ ، الايضاح ص ٢٦٨ ، التلخيص ص ٢٩٤ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٢٠ ، المطول ص ٣٥٣ ، الاطول ج ٢ ص ١١٧ ، معترك ج ١ ص ٢٤٨ ، الاتقان ج ٢ ص ٣٦.
(٣) الإشارة إلى الإيجاز ص ١٤٥.
(٤) البقرة ٢٣٥.
(٥) المائدة ٥.
(٦) الاعراف ٢٦.
(٧) معترك ج ١ ص ٢٦٨ ، الإتقان ج ٢ ص ٤١.
(٨) البرهان في علوم القرآن ج ٢ ص ٢٩٩.
(٩) البرهان ج ٢ ص ٢٩٩ ، معترك ج ١ ص ٢٦٨ ، الاتقان ج ٢ ص ٤١.
(١٠) معترك ج ١ ص ٢٦٨ ، الاتقان ج ٢ ص ٤١.