قال إنّه نوعان : مزاوجة ومناسبة ، والمزاوجة تقع في الجزاء كقوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ)(١) أي جازوه بما يستحق على طريق العدل إلا أنّه استعير للثاني لفظ الاعتداء لتأكيد الدلالة على المساواة في المقدار فجاء على مزاوجة الكلام لحسن البيان. والمناسبة تدور في فنون المعاني التي ترجع الى أصل واحد كقوله تعالى : (ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ)(٢) فجونس بالانصراف عن الذكر صرف القلب عن الخير ، والاصل فيه واحد وهو الذهاب عن الشي ، أما هم فذهبوا عن الذكر وأما قلوبهم فذهب عنها الخير (٣).
وأطلقه الحموي أيضا على المزاوجة فقال : «هذا النوع سمّوه المزاوجة والازدواج.» (٤) ونقل تعريف السكاكي وهو : «المزاوجة : هي أن تزاوج بين معنيين في الشرط والجزاء» (٥) كقول الشاعر :
إذا ما نهى الناهي فلجّ بي الهوى |
أصاخ الى الواشي فلجّ به الهجر |
وهذا ما ذكره الرماني ، ويبدو أنّ الإزدواج أعمّ من المزاوجة لأنّه لا يرتبط بالشرط الذي ذكره الرماني والسكاكي والحموي.
ومن الازدواج أيضا قوله تعالى : (عَلِيماً حَكِيماً) و (غَفُوراً رَحِيماً)(٦).
وقول الشاعر :
ومعظم النّصر يوم النّصر مطعمه |
أنّى توجّه والمحروم محروم |
وقول أبي تمام :
وكانا جميعا شريكي عنان |
رضيعي لبان خليلي صفاء |
وقول ابن الرومي :
أبدانهنّ وما لبس |
ن من الحرير معا حرير |
|
أردانهنّ وما مسس |
ن من العبير معا عبير |
الاستئناف :
تحدث عبد القاهر في مبحث الفصل والوصل عن الاستئناف وذكر له أمثلة كثيرة ، ومن ذلك قول اليزيدي :
ملّكته حبلي ولكنّه |
ألقاه من زهد على غاربي |
|
وقال إني في الهوى كاذب |
انتقم الله من الكاذب |
استأنف قول : «انتقم الله من الكاذب» لأنّه جعل نفسه كأنه يجيب سائلا قال له : فما تقول فيما اتهمك به من أنك كاذب؟ فقال : أقول : انتقم الله من الكاذب (٧).
وذكر السكاكي والقزويني كلام عبد القاهر وأمثلته ، (٨) وعرّفه التنوخي بقوله : «هو الاتيان بعد تمام كلام بقول يفهم منه جواب سؤال مقدر» (٩).
وهذا ما ذهب اليه السابقون. ثم قال : «فمنه ما يكون باعادة اسم أو صفة كقولك : «أكرم زيدا فزيد أهل الاكرام» أو «أكرم زيدا صديقك الصدوق» كأنه توهم أنّ قائلا يقول له : لم يكرم زيد؟ فكان استئنافه كالجواب لذلك. ومنه قوله تعالى : (تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ
__________________
(١) البقرة ١٩٤.
(٢) التوبة ١٢٧.
(٣) النكت في إعجاز القرآن ص ٩١ ، وينظر ما اتفق لفظه واختلف معناه ص ١٣.
(٤) خزانة الأدب ص ٤٣٥.
(٥) مفتاح العلوم ص ٢٠٠.
(٦) اقترن العليم بالحكيم والغفور بالرحيم في كثير من آيات القرآن الكريم.
(٧) دلائل الاعجاز ص ١٨٣.
(٨) مفتاح العلوم ص ١٢٧ ، الايضاح ص ١٥٥ ، التلخيص ص ١٨٦.
(٩) الأقصى القريب ص ٦٨.